التحديث الصيني النمط.. صفاته وأهميته

 

 

ما شان شان **

فتحت الثورة الصناعية في عام 1860 طريق التحديث للدول الغربية؛ مما أثار تغيرات هائلة في مجتمعها واقتصادها، ثم انتقلت عملية التحديث تدريجيًا إلى آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقد أحدث هذا التحول تأثيرًا كبيرًا على البلدان النامية، وأصبح التحديث الغربي نموذجًا للتنمية في مختلف بلدان العالم، وظهرت الرؤية القائلة إنَّ "التغريب يساوي التحديث"، لكن بعد عقود من المُمارسات، اكتشفت هذه البلاد أنَّ مسار التحديث الغربي لا يناسب البلدان النامية.

أما الصين ومن خلال متابعة التحديث الغربي، فقد اكتشفت أن نظرية التحديث الغربي غير مناسبة لمجتمعات العالم الثالث ولا حتى للصين. لذا، بدأت الصين تكتشف طريقها الخاص. وبعد عقود من الممارسة في التنمية، استكشفت الصين مسارًا فريدًا للتحديث الصيني النمط، يتميز بالخصائص الصينية القائمة على الظروف الصينية الواقعة، وما قد حققته الصين من الإنجازات والخبرات الهائلة يُشكِّل خيارات ونماذج جديدة من التحديث للدول النامية الأخرى.

ومنذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، حققت الصين إنجازات هائلة في الإصلاح والانفتاح والتحديث الاشتراكي، وأكملت المهام التاريخية لتخفيف الفقر وبناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، والنجاح في تحقيق هذه الأهداف هو انتصار للحزب الشيوعي الصيني وللشعب الصيني، وهذه الانجازات لها تأثير بعيد المدى على العالم.

وفي التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الخصائص الخمسة والمتطلبات الأساسية لتحديث الصين، مؤكدًا أن التحديث الصيني النمط يتمتع بالخصائص المشتركة للتحديث في جميع البلدان والخصائص الصينية القائمة على الظروف الصينية. وهذه الخصائص الخمسة هي: تحديث يغطي حجمًا سكانيًا هائلًا، وتحديث يتمتع فيه أبناء الشعب كافةً برخاء مشترك، وتحديث يحقق التوافق بين الحضارتين المادية والمعنوية، وتحديث يتعايش فيه الإنسان والطبيعة بانسجام ووئام، وتحديث يسلك طريق التنمية السلمية.

إنَّ التحديث الذي يُغطى حجمًا سكانيًا هائلًا يعني أن الصين استطاعت أن تواجه مشاكل وصعوبات أكثر تعقيدًا مقارنة مع تحديث الدول الغربية، والتحديث الذي أدى إلى أن يتمتع أبناء الشعب الصيني كافة بالرخاء يعني أن الصين استطاعت أن تقوم بتحسين وتطوير معيشة الشعب من خلال استراتيجية التنمية المدروسة، مما أدى إلى إفادة كل الشعب بشكل أكبر. وهذه مهمة طويلة الأمد وواقعية بالنسبة للصين؛ حيث إن التحديث الذي يحقق التوافق بين الحضارتين المادية والمعنوية يسعى إلى الوفرة المادية والثروة الروحية، وهو من مرتكزات الحضارة الصينية للعصر الحالي، وهو الاتجاه الذي تسلكه الحكومة الصينية في سبيل التنمية الاجتماعية البشرية؛ أي التحديث الذي يتعايش فيه الإنسان والطبيعة بانسجام ووئام عن طريق احترام الطبيعة والتكيف معها وحمايها، ودفع التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة، والتكامل مع التنمية الخضراء والتنمية منخفضة الكربون، وتعزيز التنمية المستدامة.

أما التحديث السلمي الذي يحقق التنمية، فهو يعني أن الصين تسعى إلى تحقيق تنميتها الخاصة في عملية الحفاظ على السلام العالمي والتنمية بشكل أفضل من خلال استراتيجيتها الناجعة.

والتحديث الصيني النمط له أهمية بعيدة المدى؛ حيث إن الصين، وباعتبارها قوة اقتصادية، تترك أثرًا عميقًا في عملية تحديث العالم في عصر العولمة الاقتصادية من حيث نظرية التحديث الصيني النمط والممارسة الفعَّالة. ومن الناحية النظرية، فإن التحديث الصيني أثرى نظرية التحديث العالمية وكسر احتكارها في العالم. ويشتمل التحديث الصيني النمط على العديد من القيم العالمية الفريدة، مثل إجلال التاريخ والحضارة واحترام البيئية، وهذه الممارسات العظيمة كسرت الصورة النمطية بأن "التحديث يساوي التغريب في العالم"، وهي ابتكار كبير في نظرية التحديث العالمي وممارسته. إن نظرية التحديث الصينية في حد ذاتها تعد إنجازًا نظريًا عظيمًا للتحديث العالمي.

ومن الناحية العملية، اقترح التحديث الصيني النمط حلولًا وخيارات جديدة لتنمية البلدان النامية على صعيد العالم. والتحديث الصيني النمط هو مسار جديد للتنمية استكشفته الصين على أساس تجربتها وممارستها الخاصة. وقد أثبتت الإنجازات العظيمة التي تحققت في التحديث الصيني النمط إمكانية تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية على أساس الظروف الوطنية الخاصة بها؛ حيث يُمكن للبلدان النامية الأخرى اختيار مسارات التنمية المناسبة استنادًا إلى ظروفها الوطنية الخاصة.

ولذلك نؤكد أنه "لا يوجد نموذج ثابت للتحديث في العالم، ولا يوجد معيار ناجح وحيد في أنحاء العالم".

وأخيرًا.. يُنتج التحديث الصيني النمط الإنجازات الإيجابية للحضارة ويخلق شكلًا جديدًا للحضارة الإنسانية. وفي الوقت نفسه، يضخ الثقة للدول النامية باستكشاف طريق التحديث الخاص بها مع اتباع النمط الصيني كأنموذج ناجح. والنموذج الصيني يعزز بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية جمعاء مع احترام الخصائص والمزايا لكل شعب وحضارة.

** باحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة صون يات صن

** يُنشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة