محفوظ بن راشد الشبلي
يلتزمُ البعض بالوقوف شاخصًا أحياناً عند حد مُعين في مساراته المتعددة في هذه الحياة، ليس اضمحلالًا في فكره أو ما شابه ذلك، بل هو إعادة لترتيب بعض الأوراق أو لفرز بعض الأشياء في نفسه ووضعها في مكانها الصحيح من جانب ومن جانب آخر للتفكّر في التعاملات الغريبة التي تصدر من بعض البشر تجاهه وتجاه غيره وتصنيفها بما يتناسب مع حجمها وطبيعتها مع تلك الفئة من البشر وتوجهاتهم وأفكارهم الغريبة الخارجة عن حدود العقل والمنطق في قانون التعاملات الإنسانية والبشرية.
الحقد هذه الكلمة التي وردت في كتاب الله العزيز وفي الأحاديث النبوية الشريفة وفي غيرها من المسارات والترجمات والمعاني والتفسيرات في صور متعددة وتُشير لنفس المعنى وفي مجملها تصب في جانب واحد وهو أنها تراكمات خبيثة في نفس الإنسان تجاه الغير، وتدخل الغيرة والحسد والغل لتُكمّل عليها وتصنع منها كرة كبيرة ككرة الثلج المتدحرجة، فيصب صاحبها حقده وغلّه على الغير بأسباب وبدون أسباب وليس لها تبرير سوى أنَّه إنسان حاقد وحاسد على نعمة يراها في غيره وهي بُغض منه وضغينة تجاه الغير بلا أية أسباب ولا تبريرات مفهومة وظاهرة منطقيًا وشرعيًا.
سألتُ زميلًا ذات مرة لِم لا أجد نشاطك المعتاد في جانب مُعين ولا أجد لك حضوراً فيه فأجابني بأن هناك فئة تتربص بي كلما أوجدت نفسي هّناك ويتعمدون إيذائي بشتّى الطرق، فسألته إن كان بينكم خلافات في جانب مُعين فأجاب ليس بيننا سوى الخير وأكن لهم وافر الاحترام والتقدير ولا أعي لِما يتعمدون إيذائي ولِما يحقدون علي، فقلت له السبب في ذلك هي نفوسهم المريضة، فبعض النفوس البشرية المريضة إن وجدت خيرًا في الغير حقدت عليه وإن وجدت من يتفوق عليهم في جانب مُعين حقدت عليه، فهم يكنّون للبشر حقدهم وغلّهم الخفي ويظهرون خلافه أمامهم والعِياذ بالله.
وشخص آخر سألته لِما لا يقفون بجانبك ويدعمونك في مجالك أقرب الناس إليك؟ فقال حِقدهم علي كي لا أصل لمستوى أفضل منهم أو يفوقهم، فهم يجدون في أنفسهم بأنهم أفضل مني ولو كانوا هم بلا مستوى وهذا هو السبب في خذلانهم لي، فلا نعي مرض الحقد هذا كيف يصل ببعض البشر لمستوى لا يفهم أسبابه أقرب الناس إليهم فالأمر عجيب وغريب.
الإنسان الحاقد- والعياذ بالله- لا يكتفي بالنظر للغير باحتقار على نعمة يجدها فيه، بل يحقد عليه في كل شيء يصدر منه، فهو ولو لم يُحسن عمل شيء وليس له في الغير شيء، إلّا أن غِلَّه يقتله في داخله على كل شيء، فالمرض ليس بالضرورة أن يكون ظاهرا في الجسد بل تَغلغله في النفوس يفوق ظاهره على الجسد.
ونستخلص من موضوع الحقد والحاقدين أن في داخلهم نار تأكلهم كما تأكل الحطب، وينفثون شرار تلك النار المستعرة داخلهم للغير كي يحرقوه بها ولكن اللّه سبحانه سيكويهم بها في الدنيا والآخرة، ولن يستطيعوا مضرة أحد غير مضرتهم لأنفسهم، فالحقد قد ذمه الله تعالى في كتابه، وكذا نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله: "ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن فإنَّ الله يغفر له ما سوى ذلك لمن يشاء: من مات لا يُشرك بالله شيئًا، ولم يكن ساحرًا يتبع السحرة، ولم يحقد على أخيه"، فاللهم قِنا وقِ عبادك شر الحاقدين الحاسدين المبغضين إنك سميعٌ مُجيب.