د. محمد بن عوض المشيخي **
يواجه الإنسان منذ نعومة أظفاره التحديات والعقبات التي يجد نفسه مُحاطًا بها من كل صوب، وهناك من يرى تلك التحديات أكبر منه ويستسلم لها ويعيش حياة يسودها الحزن والخضوع للأمر الواقع، ويصبح أسيرًا للهواجس والأفكار والوساوس الشيطانية التي تقتلع كيانه وتفكيره، وبالتالي تتحول الحياة إلى جحيم لا يُطاق.
وليس ما يُسيطر على مخاوفنا ونخاف منه أمرا حقيقيا؛ بل في كثير من الأحيان ما ذلك إلّا أوهام رسمناها لأنفسنا وتخيلناها ومنحناها كل وقتنا وجل تفكيرنا. وعلى الرغم من ذلك، لا نبحث عن حلول واقعية أو أساليب علمية للخروج من المأزق الذي اخترناه لأنفسنا، ونعتبره بكل أسف من الحقائق الأزلية والقدر الذي لا يمكن الهروب منه بأي حال من الأحوال!
صحيحٌ أن هناك من الأشخاص الذين يدركون مع مرور الأيام تلك الدروس القاسية التي دفعوا فيها أثمانًا باهظة من حياتهم، وخاصةً سنوات الشباب التي تُعد أفضل سنوات العمر، وفي بداية المشوار يكون الأمر صعبًا، نظرًا لقلة الخبرة وعدم الإدراك بأن هناك ذئابًا بشرية همُّها الأول هو أن ترى تقويض نجاح الآخرين ومحاولة نشر الإحباط والفشل بكل الطرق لأقرب الناس، خاصة الأصدقاء الذين يُنظر لهم على أنهم منافسون مفترضون.
لا شك أننا نحتاج إلى إرادة وقوة وتفسير منطقي للحياة والبشر من حولنا، وقبل ذلك تحليل الأحداث والوقائع التي نتعرض لها بشكل دائم، وعلى وجه الخصوص الذين أجبرتنا الظروف على أن نتعامل معهم؛ سواء في المنزل أو المدرسة أو حتى في العمل. نحن في كثير من المواقف مُجبرين على التعامل مع أُناس قد يكونون السبب في تعاستنا، لكوننا قد أحسنَّا الظن بهم، على الرغم من أنهم قد تحولوا إلى أداة خطرة علينا. وربما يكون هذا هو قدرنا في هذه الحياة الصعبة التي قدمنا إليها دون أن يكون لنا قرار في ذلك؛ فهناك من الفلاسفة والعلماء الذين يُجزمون بأنَّ الإنسان مُسيَّرٌ في شيئين وهما: ولادته وموته. وتلك أقدار إلهية لا دخل للمخلوق فيها، ولكونه في نفس الوقت- أي الإنسان- مُخيَّر في حياته في هذه الدنيا في ما بين الولادة والموت من قرارات، هُنا تظهر مساحة واسعة لكي نتخذ القرارات السليمة التي توصلنا إلى النجاح في الدنيا وحسن الخاتمة في الآخرة. كل ذلك يحدث من خلال العقل والتفكير السليم، الذي هو عبارة عن كرم من الله للإنسان الذي خصه عن غيره من المخلوقات بتلك الكنوز والتميز، لكي ينجح ويُعمِّر الأرض ويعبد الخالق ويفوز في الدنيا والآخرة إذا عمل صالحًا.
يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار" (آل عمران: 191).
والسؤال المطروح الآن: كيف نُغيِّر مسار الأحداث في حياتنا ونحول الأزمات إن وجدت إلى فرص واعدة؟!
لا شك أنَّ الإرادة والعقل الراجح السليم كفيلين بتغير المعادلة، وقبل ذلك كله النظرة الإيجابية الثاقبة للأمور التي تعتمد على التفاؤل الذي يصنع المعجزات، الذي هو عكس النظرة التشاؤمية القاتلة التي تقضي كل شيء إيجابي في هذه الدنيا؛ بل وتدمر طرق النجاح التي يمكن لنا الولوج إليها لتحقيق طموحاتنا وراحة البال بعيدا عن النكد والمعاناة، فإذا نظرنا بإمعان وتدبُّر إلى تعريف الأزمة في الثقافة الصينية منذ آلاف السنين مثلًا، نجدها عبارة عن كلمتين مركبتين (Ji-Wet) الأولى بمعنى خطر، والثانية تشير إلى الفرصة التي يمكن استثمارها وتحويلها إلى مفهوم إيجابي ومكسب، بعد زوال الخطر والسيطرة على المشاكل التي سبق أن تحولت بمرور الأيام إلى أزمة حقيقة.
وفي الختام.. الحياة لا تخلو من المشاكل والمؤامرات التي يحيكها البعض من أصحاب النفوس الخبيثة الذين يسعدهم أن يروا المصائب على وجوه الآخرين، ولمواجهة ذلك بحزم ونجاح؛ نحتاج إلى إخلاص وإيمان بالله وبالقدر خيره وشره، والصفح عن الأخطاء والعفو عند المقدرة عن الناس، والأهم من ذلك كله القناعة بكل ما قسمه الله لنا من أرزاق ومحن في بعض الأحيان، فتلك هي مفاتيح السعادة؛ وجواز سفر للعبور إلى بر الأمان لمن يُريد منَّا التخلص من الأزمات والكوارث سوى ما كان منها حقيقيا أو ما تخيلناه في أذهاننا واكتشفنا لاحقاً أنه لا يعدو ذلك أنه كوابيس وأحلام مزعجة تعمل على زلزلة مقومات الحياة والطمأنينة في نفوسنا ومن تحت أقدامنا.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري