حرية النفس أم قيود المجتمع؟

 

 

 

محمد بن أنور البلوشي

أحتاج إلى نفس.. أعطني فرصة! هذا ما سمعته من صديق مقرب لي عندما كنا نتحدث عن المجتمع. قال لي بصوت يائس لكنه مليء بالعزيمة: "أريد أن أكون حرًا... حرًا من كل شيء!"

أحيانًا، يشعر الفرد أن المجتمع كله يقف ضده، وكأن العالم يرفض وجوده كما هو. أين الفردية في كل هذا؟ لا زلت أتذكر عندما كنت جالسًا مع صديق في مطعم للعشاء، فجأة قال له أحد الغرباء في المكان: "هل يمكنك الجلوس بطريقة لائقة؟" نظرنا إلى بعضنا بدهشة، وهمسنا: "ماذا يقصد؟ لماذا يتدخل؟".

لم يكن يجلس بطريقة غير مألوفة؛ بل كان مرتاحًا فقط في وضعه، لكن كلمات هذا الشخص كانت بمثابة هجوم غير مبرر، وكأنها محاولة لتقييد حريته في مجرد الجلوس كما يريد.

بعد أيام قليلة، التقيت بصديقة أخرى، كانت غاضبة من شيء مشابه. قالت لي بغضب: "لماذا يظن الجميع أن لديهم الحق في الحكم على مظهري؟ أحب ارتداء الألوان الزاهية، لكن في كل مرة أمشي في الشارع، أجد نظرات وتعليقات تلاحقني!" ثم توقفت لوهلة وأطلقت تنهيدة ثقيلة، "لماذا يحاول المجتمع دائمًا وضعنا في قوالب جاهزة؟".

شعرت بقوة بإحباطها، وجعلني ذلك أتساءل: هل يمكن للفرد أن يوجد حقًا بشكل مستقل عن المجتمع، أم أننا مجرد انعكاس لما يمليه علينا؟ هذه التجارب ليست فردية أو نادرة، بل هي جزء من حياة الكثيرين الذين يشعرون بالاختناق من المعايير الاجتماعية والضغوط المستمرة للامتثال.

نحن دائمًا مطالبون بأن نكون مهذبين، محترفين، نتصرف بطريقة معينة، وكأن المجتمع يملي علينا هويتنا بدلًا من أن نخلقها بأنفسنا.

تناول العديد من المفكرين الاجتماعيين هذا الصراع بين الفرد والمجتمع. إميل دوركهايم رأى أن المجتمع يعمل من خلال القواعد والمؤسسات الاجتماعية، وأن الأفراد يتشكلون وفقًا للوعي الجمعي.

لكن هل يجب علينا الاستسلام من أجل الانتماء؟ ماكس شتيرنر دعا إلى أن يسعى كل إنسان لتحقيق مصالحه الخاصة بعيدًا عن القيود الاجتماعية. جون ستيوارت ميل أكد أن تنوع الأفكار والسلوكيات ضروري لتقدم المجتمع. فإذا كان الجميع متشابهين، كيف يمكن أن تظهر أفكار جديدة؟

هذا الصراع بين الفردية ومتطلبات المجتمع ينعكس في حياتنا اليومية. شاب موهوب في الرسم يريد أن يكون فنانًا، لكن عائلته تصر على أن يتبع مسارًا وظيفيًا تقليديًا.

شخص هادئ يفضل العزلة، لكنه يسمع دائمًا: "لماذا أنت هادئ جدًا؟ عليك أن تكون اجتماعيا أكثر!" التناقض في وسائل التواصل الاجتماعي واضح؛ نشجع على التميز، لكن فقط في حدود ما هو مقبول اجتماعيًا.

ربما المفتاح يكمن في الاحترام المتبادل، يجب أن يمنح المجتمع الأفراد مساحة للتعبير عن أنفسهم دون أحكام. المشكلة تبدأ عندما يتحول المجتمع إلى سجان للفكر والسلوك، متجاهلًا قيمة الاختلاف والتنوع.

صديقي الذي تنهد قائلًا: "أحتاج إلى نفس"، لم يكن يعبر عن مشكلته الشخصية فقط، بل كان صوت الكثيرين. الضغط للامتثال لما يريده المجتمع مرهق، ولكن الفردية هي جوهر التقدم.

لو أن الجميع امتثلوا، فكيف سنشهد الإبداع والابتكار والتغيير؟ في النهاية، سيظل الصراع بين المجتمع والفرد قائمًا، ولكن ربما الحل لا يكمن في مقاومة أحدهما للآخر، بل في إعادة تعريف العلاقة بينهما. فلنخلق مجتمعًا يحتضن أفراده ويدعمهم، عندها فقط لن نحتاج إلى أن نطلب استراحة... لأننا سنعيش ونتنفس بلا قيود!

 

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة