يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"قيمتنا تكمن فيما نحن عليه وما كُنا عليه، وليس في قدرتنا على تذكر الماضي القريب" هوميروس.
*****
كثيرًا ما نتحدث عن حسنات النسيان، ووجوب احترام هذا النسيان، ذلك لأن بعض أحداث حياتنا تحتاج للنسيان، تحتاج لطي صفحة وليس لفتح صفحات، قد تؤثر حتى على الصحة العقلية، والحالة النفسية؛ فالنسيان قد يكون علاجًا ناجعًا ومريحًا، ولا ننس كذلك الابتعاد عن أي ذاكرة تؤذي، لنترك الذاكرة إلى سياقها وعساها ما تشوف شر!
يقول تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر:38)، لنترك الذاكرة تتمتع بما يسعدها، ولنترك ما يؤذيها، ولنترك أيضا مجالا ومساحة لحضرة الزهايمر (لا سمح الله) لعله يجد ما يجد في أحواله معنا، على الأقل يتم تأجيل كل منغص إلى الزهايمر، ولنمتع النفس في صحوتها، ونجمع للزهايمر ما يؤرق النفس، وما يسعد الزهايمر.
قرأت مرة أو سمعت (لا أدري بالضبط) أن من يكتب كثيرًا أكثر عرضة للزهايمر، وبأنه صيد سهل له، وبناء على هذا المسموع أو المقروء، فقد نكون أحد ضيوف حضرته في قادم الأيام إن مكننا الله من العمر، هنا هل سيكون الزهايمر هو الوعاء الذي تنهمر إليه كلمات وعبارات وأمور وأسرار لا نرغب بقولها أو حتى الهمس بها؟
قرأت في أحد المواقع الطبية المتخصصة ملخصًا مختصرًا لهذا المرض -وقانا الله وإياكم منه- إذ يقول الملخص: الزهايمر هو مرض دماغي يؤدي إلى تدهور القدرات المعرفية تدريجيًا، بدءًا بنسيان بسيط ثم يتطور إلى فقدان الذاكرة طويلة المدى، وتظهر الأعراض ببطء، وقد لا تُلاحظ في البداية. تشمل الأعراض الشائعة ضعف الذاكرة، وصعوبة في تعلم أشياء جديدة، وفقدان الإحساس بالاتجاه، وفقدان الأشياء، وصعوبة في التفكير المجرد، ومشاكل في أداء المهام اليومية. هناك ثلاثة أنواع رئيسية: الزهايمر المبكر (قبل سن 65)، الزهايمر المتأخر (بعد سن 65)، والزهايمر العائلي (وراثي). ويُشخّص الزهايمر من خلال مراقبة طويلة الأمد وتقييم الأعراض، وقد يساعد فحص الدماغ على التشخيص المبكر. العلاج لا يشفي من المرض، ولكنه يُبطئ تقدّمه ويخفف من الأعراض باستخدام أدوية معيّنة، مثل مثبطات الكولينستريز، إضافة لعلاج الأعراض السلوكية والنفسية المصاحبة. يُنصح بالتشخيص والعلاج المبكر لتحسين النتائج. (1)
تصوَّر لو أن أحد المجتهدين في مجال السير الذاتية أو التراجم، قد علم أن فلانا ممن كان له شأن فيما مضى قد أصابه الزهايمر، وبعيدًا عن أخلاقيات المهنة وغير ذلك، تصور لو أن كاتب السيرة الذاتية، قد جلس مع صاحب الشأن سابقًا والمصاب حاليًا بالزهايمر، وسجل كل ما قاله وهو في حالة زهايمر، ترى هل سيسجل ما دونه كتأريخ ويعتبر به بشكل موثوق، أم أن القصة لا تعدو سوى كما يقول الكويتيون "خذ وخل"!
من جهة أخرى، وبصراحة واضحة، ألا تتفق أن كثيرًا ممن يشغلون مناصبَ كبيرة لهم علاقة وإن غير مباشرة مع المدعو زهايمر؟
ألا تتفق أن كثيرًا ممن يقود السياسات الدولية لهم علاقة مع الزهايمر، تصوَّر كيف يتم إلقاء اللوم والإرهاب على شعب معزول في غزة، لا يملك ربما حتى دبابة، ولا يتم حتى عتب بسيط مع الصهاينة المغتصبين الذين لم يُبقوا حتى حجر باق في غزة الجريحة، والذين مارسوا أعتى عمليات القصف الجوي والبري على شعب أعزل، ثم يأتي من يتحدث ويبكي على قصف الأطفال والمستشفيات ودور رعاية المسنين والملاجئ!
أعتقد أنه على الأقل إنسانيًا أن نُنصف الزهايمر، ونضعه في مكانه الصحيح، فقد يكون هناك ممن هم متطفلون عليه، ويحاولون الإصابة به بلا قصد، ويطلقون تصريحات هي أشبه بتصريحات مريض بالزهايمر، لذلك أعتذر للزهايمر عن هؤلاء المتطفلين، فهذا المرض أرقى منهم، ومن تطفلهم، وادعائهم الإنسانية.
لن أُفصِّل فيما سبق؛ لأنك وأنت تقرأ هذه الكلمات سيبدر على ذهنك بعضًا من أولئك.
أحيانا أتساءل: هل المصاب بالزهايمر يتم التعامل معه كمريض وتصرف له عقاقير وأدوية أم أن الموضوع هو ترك الأمر لله، طبعا والنعم بالله، لكن مثلا إنسان مصاب بالزهايمر هل ستصرف له مضاد حيوي أو بندول؟
على فكرة.. هل تعلم أن ثمة يوم عالمي للزهايمر؟! "يا سلام على هذا اليوم الذي لن يحتفل به أحد"، على الأقل حسب علمي، وإذا حسب علمك ثمة احتفال فكيف سيكون، وما هم أطراف الحفل، وكيف ستكون فقراته؟
قبل سنوات كنت أتحدث مع أحد الإخوة من أرض الكنانة عن الحياة والناس، وهو رجل كبير في السن، وقال لي عبارة إلى الآن لم أنسها: "يا ابني يا يوسف شوف ربنا سبحانه وتعالى وزّع الأرزاق على الناس ومحدش رِضِي برزقه، ووزّع العقول عليهم والكل راضٍ بعقله".
نعم والله الكل راضٍ بعقله؛ سواء عقله الطبيعي أم العقل المصاب بالزهايمر!
وقانا الله وإياكم من كل مرض وزهايمر، ورحمنا جميعًا وأعاننا على ما يحبه ويرضاه.