القرار يُولد من رحم المشكلة

 

 

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

حتى لو كانت القرارات في مصلحة المجتمع، فإن التسرُّع في تنفيذها دون دراسة العواقب وتهيئة الظروف المناسبة قد تؤدي إلى فوضى وخسائر كبيرة بدلًا من تحقيق الفوائد والأهداف، ففي كثير من الأحيان، لا يكون الفشل في القرارات ناتجًا عن سوء الفكرة نفسها؛ بل عن الفجوة بين اتخاذ القرار وتنفيذه..

أثناء الانتقال من مرحلة صياغة القرار إلى مرحلة تطبيقه على أرض الواقع، المفقود بينهما مجموعة من العوامل الضرورية التي يتم تجاهلها أو التقليل من شأنها أثناء التخطيط للتنفيذ، مما يؤدي إلى تعثر القرارات أو تشويه أهدافها الأصلية، ويؤدي إلى صدام بين القرار والواقع.. حلقة القرار وتنفيذه ليست مجرد خلل إداري؛ بل مشكلة جوهرية تؤثر على نجاح السياسات والمشاريع، بدون آلية تنفيذ محكمة، سيظل أي قرار نظريًا فقط، ولن يحقق الفوائد المرجوة منه، بسبب صعوبة التنفيذ من قبل المسؤولين التنفيذيين أو الفئات المتأثرة، الموظفين، المواطنين، أو الشركات، يؤدي ذلك إلى مقاومة التنفيذ أو صعوبة تحقيق الأهداف بسبب عدم جاهزية الأطراف المعنية.

وإذا لم يكن هناك توزيع واضح للأدوار بين الوزارات، الإدارات، والهيئات المسؤولة، فقد يحدث تداخل أو تضارب في التنفيذ "كإصدار قرار بتنظيم العمالة الوافدة دون تنسيق مع الجهات المعنية الأخرى "التي تعنى بحفظ حقوق وواجبات أطراف عقد العمل، ما من شك أنه سيظهر عطل في سوق العمل بسبب سوء الترتيب في المسؤوليات، إلى جانب أن بعض القرارات قد تُنفذ دون رقابة مستمرة أو آليات لتقييم النتائج، كل ذلك يؤدي إلى استمرار المشكلات وعدم تصحيح الأخطاء التي تظهر أثناء التنفيذ بسبب عدم وجود مرونة في التعديل والتكيف مع الواقع.. في بعض الأحيان، يظهر أن القرار يحتاج إلى تعديلات أثناء التنفيذ، ولكن غياب المرونة يجعل المسؤولين مترددين في التصحيح، هذا يؤدي إلى استمرار تنفيذ قرارات غير فعالة بدلًا من تحسينها.

لعل حل مشكلة مرحلة ما بين المرحلتين، يتطلب إعداد خطة تنفيذ واضحة قبل إصدار القرار، تتضمن تفاصيل حول الخطوات، المسؤوليات، الواجبات، والجدول الزمني، وإشراك الجهات المعنية وأصحاب الخبرة في عملية اتخاذ القرار يمكن أن نسميها "خارطة تنفيذ" لضمان واقعيته وقابليته للتنفيذ، إلى جانب تعزيز التنسيق بين الجهات التنفيذية لضمان عدم وجود تداخل أو تضارب في الأدوار، وإجراء دراسات جدوى وتقييمات للأثر قبل تطبيق القرار لضمان جاهزية السوق، ووضع آليات للمتابعة والتقييم المستمر لضمان نجاح التنفيذ وإجراء تعديلات عند الحاجة، إلى جانب توفير برامج توعية للمجتمع أو الجهات المتأثرة حتى لا يكون هناك مقاومة أو سوء فهم للقرار، إضافة عنصر المرونة في التنفيذ بحيث يمكن تعديل الاستراتيجيات وفق التحديات التي تظهر على أرض الواقع.

وتراكمات التجربة العُمانية تمنح الحرية في اتخاذ القرارات، ولكنها تصبح أكثر قوة عندما نتمكن من سد الثغرات التي تكشفها تلك التجارب، لأن الممارسة المستمرة هي الجسر بين معرفة الحاجة أو المشكلة والمهارة في اتخاذ الحلول، فمن دون ذلك تظل الإمكانيات غير مستغلة، القرار السليم ليس فقط ما يبدو صائبًا عند اتخاذه؛ بل ما يثبت نجاحه عند تنفيذه، تفاديًا لردود فعل أصحاب الأعمال والشركات تجاه القرار وتأثيره على مصالحهم، خصوصًا وأن رؤية عُمان 2040 ركزت على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والنهوض بمستواها وجعلها ضمن دائرة التنافسية والجودة، بالتالي لابد من الأخذ بأيدي أصحاب هذه المؤسسات، وإبعادهم عن دائرة الإحباط أو التذمر.. بذلك تضيق الهوة بين التشريع والتطبيق.

خلاصة القول.. إنَّ القرارات الاستراتيجية لا تُقاس بمدى وجاهتها على الورق فقط؛ بل بقدرتها على التحقق والنجاح في الواقع العملي، فإن اتخاذ أي قرار دون مراعاة آليات التنفيذ ومدى توافقه مع الإمكانات المتاحة قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، حتى لو كان القرار في مصلحة المجتمع، والتسرع في تطبيق السياسات دون دراسة متأنية للعواقب وتهيئة الظروف المناسبة قد يُحدث ارتباكًا إداريًا، يفضي إلى نتائج معاكسة تمامًا لما كان يُرجى تحقيقه.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة