د. عبدالله الأشعل **
لا شك أن الاستثمار الإيراني السياسي في سوريا منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 تعرض لضربة كبيرة حيث نجح الغرب وإسرائيل في القضاء على النظام الذي تحالف مع إيران وصمد في وجه كل محاولات الغرب لفك التحالف ثم أنه كان واسطة العقد بين إيران والمقاومة على الأقل في الجبهة اللبنانية والجبهة الفلسطينية وظهر ذلك في نظرية وحدة الساحات التي ضمت اليمن والعراق، إضافة إلى فلسطين ولبنان والأخطر أن شيطنة إيران في سوريا والمنطقة كلها هدفها الوحيد القضاء على المقاومة التي تنفرد إيران بدعمها، ولذلك يريد الغرب أن يقضي على الثورة الإسلامية أصلا وهي التي تحدت إسرائيل والولايات المتحدة يوم قيامها 12 فبراير 1979.
وفي ضوء هذه الحقيقة ومادامت إيران لاتزال مستعدة لدعم المقاومة بعد فقدان الساحة السورية واعتراف إسرائيل بأنها نجحت في إزالة نظام الأسد فالمؤكد أن إيران يجب أن تبريء نفسها من جرائم نظام الأسد التي ركز عليها النظام الجديد في دمشق، فلا يمكن لثورة إسلامية ومقاومة إسلامية أن تمتهن كرامة الإنسان في أي مكان.. ولذلك؛ فالعمل الأول في برنامج إعادة تموضع إيران هو التبرؤ من جرائم الأسد وليس ذلك تخليًا عن الحليف وإنما تركز إيران على أنها كانت تساند الدولة السورية والشعب السوري ضد المسلحين وضد عوامل تصفية هذه الدولة والجيش السوري وهي رأت أن أكثر من 70 دولة تصفي حساباتها على الأراضي السورية وعلى حساب الشعب السوري.
النقطة الثانية في برنامج التموضع هي الخط الإعلامي إلى جانب هذا الخط السياسي والخط الإعلامي يلتزم بالنظرية العامة للإعلام وهي أن المرسل هو الإعلام الإيراني وأن الرسالة الإعلامية هي المضمون الذي تحمله الرسالة وأن المرسل إليه الشعوب والحكام العرب والعالم وأن التوقيت عنصر أساسي في النظرية الإعلامية فلابد من وضع خطة إعلامية علمية لحمل برنامج إعادة التموضع وتتضمن العناصر الآتية:
الأول: أن إيران لم ولن تكون شريكة مع أي نظام في انتهاك حقوق الإنسان لأنها تسير وفق الشريعة الإسلامية التي تقدس النفس البشرية والكرامة الإنسانية.
ثانيًا: التركيز على أن إيران لازالت تؤيد الحق ضد الباطل وسبق أن ساهمت في إنشاء حزب الله الذي حرر لبنان من الاحتلال الإسرائيلي وأن إيران تنظر إلى إسرائيل وأمريكا على أنهما مهددان للعرق البشري وأن زرع إسرائيل في هذه المنطقة يقصد به اضطراب أحوال المنطقة وخلق المتاعب لها وأن إيران تناهض الحركة الصهيونية وليس الشريعة اليهودية الغراء لأنها تفهم أن الإسلام دين واحد ولكن يتكون من شرائع متعددة ومتماثلة في ارتكازها على قيمة التوحيد.
ثالثًا: ترفض إيران الفتنة التي تصدرها الولايات المتحدة وإسرائيل إلى العالم الإسلامي وتؤمن بحرية العقيدة والإسلام ليس فيه شيعة وسنة وإنما الشيعة والسنة مذاهب فكرية تثري الشريعة الإسلامية ولكنها فتنة سياسية يطلقها الغرب تلاعبًا بعقول المسلمين.
رابعًا: معالجة إيران لنقطة هامة وهي تحالفات نظام بشار وأعدائه كيف تتعامل معهم إيران فلا يجوز أن تبذل جهدًا في معاداة أحد.
خامسًا: التركيز على عودة العلاقات الدبلوماسية مع مصر لأنها أكبر دول العالم العربي واستقرارها يخدم استقرار المنطقة كلها ولا تحاول إيران كما كانت تفعل الثورة الإسلامية يوم قيامها أن تتدخل في تحالفات مصر في المنطقة والعالم.
سادسًا: أن تتعامل إيران مع الدول الأخرى وفق أولوياتها ولكن لابد من التغطية الإعلامية والدبلوماسية لأنها بحاجة إلى الرأي العام العربي والعالمي.
سابعًا: أن تتعامل إيران مع النظام الجديد في سوريا ولا تعاديه ولا تصادقه وإنما تعتبره سلطة الأمر الواقع، فإذا حقق مصالحها ونحن نتفق معها في أن مصالحها ومصالحنا العربية تقتضي دعم المقاومة ولكن لا تعلق هذا الشرط على التعامل مع النظام الجديد في سوريا إلى أن يعلن صراحة أنه ضد المقاومة ومع إسرائيل في هذه الحالة سوف تجد إيران جبهة عربية واسعة تقف معها أن لم يكن الحكام فالشعوب العربية مطبوعة على كره إسرائيل وحب المقاومة.
ثامنًا: أن تبحث إيران عن الوسائل الأخرى التي تدعم بها المقاومة ولتعلم إيران أن تخليها عن المقاومة خطبًا لود أمريكا وإسرائيل لن يجدي نفعًا مادامت الخطة هي القضاء على إيران الثورة واستعادة ملك الشاه كهدف نهائي لاستقرار المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
تاسعًا: أن تكون إيران مرنة في اختيار أولوياتها والأولوية المطلقة هي لبقائها ومحاربة جميع طرق فنائها يلي ذلك الهدف الملف النووي الإيراني ثم تحسين العلاقات مع الحكومات الخليجية والعربية والإسلامية بالترتيب.
عاشرًا: أن تهتم إيران بالشعب الإيراني فتصلح الأوضاع الاقتصادية وتضع سياسات مرنة عادلة اتجاه الأقليات التي يتكون منها الشعب الإيراني حتى تفوت الفرصة على أعداء إيران لأنَّ إسرائيل أعلنت أنها اخترقت الصف الإيراني بفعل الأزمة الاقتصادية وعدم رضا بعض الأوساط عن توزيع المزايا السياسية فتمكنت من اغتيال هنية في طهران وهذه ضربة كبيرة للأمن الإيراني ولسمعة إيران والعلاج ليس في التحرش بإسرائيل وإنما في سد الثغرات الداخلية في المجتمع الإيراني.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا