أحمد السلماني
لم يكن منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم بعيدًا عن مُعانقة اللقب في بطولة كأس الخليج العربي "خليجي 26" بالكويت، لكنَّ سقطةً لمدربنا القدير كلفتنا اللقب الثالث وكُنَّا أحقَّ به، غير أن الوصافة التي حققها منتخبنا بعد مشوار حافل لم تكن مجرد مركز شرفي؛ بل عكست تطورًا واضحًا وبوادر طيبة لمستقبل أكثر إشراقًا. بينما قد يخفي التتويج باللقب بعض العيوب، فإنَّ هذه النتيجة سلطت الضوء على إيجابيات مهمة تستحق التوقف عندها والبناء عليها في الاستحقاقات القادمة.
دخل منتخبنا البطولة بروح متجددة وطموح عالٍ، رغم الغيابات المؤثرة بسبب الإصابات وغياب أسماء مؤثرة بدورينا ولم تكن ضمن خيارات المدرب، إلا أن الأسماء التي شاركت أثبتت جدارتها، وظهر بعض اللاعبين بمستويات مبهرة طمأنت الجماهير العُمانية لما يمكن أن يقدمه الأحمر في التصفيات الآسيوية. يبدو أن الأحمر بمن حضر.
واحدة من أبرز المكاسب كانت استعادة الهوية الكروية المميزة للكرة العُمانية، التي تعتمد على أسلوب "خذ وهات" واللعب السلس والاستحواذ الممتع، وهو ما جعل أداء المنتخب محل إشادة واسعة. قدم اللاعبون لمحات فنية راقية وعروضًا ممتعة أكدت أن الفريق قادر على مقارعة كبار القارة بأسلوبه الخاص.
ظهر جليًا خلال البطولة أن المدرب استوعب إمكانيات اللاعبين ونجح في توظيفهم بالشكل الأمثل، كما أن اللاعبين أنفسهم أظهروا قدرة كبيرة على تطبيق فكر المدرب، وهو ما عزز من الانسجام داخل الفريق. هذا التناغم سيكون عاملًا مهمًا في التحضير للاستحقاقات القادمة، لا سيما التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم.
في بطولات الخليج، دائمًا ما يكون العامل البدني عامل حسم في الأدوار المتقدمة، وقد ظهر منتخبنا بمستوى لياقي عالٍ ساعده على الاستمرار بنفس النسق حتى نهاية المباراة ولو بانخفاض نسبي بسيط لم نعتده. هذه الجاهزية تعكس عملًا بدنيًا كبيرًا قام به الجهاز الفني، ما يمنح المنتخب أفضلية تنافسية في المباريات القوية والحاسمة.
ومن الأمور الإيجابية التي برزت في مشوار المنتخب قدرته على العودة في المباريات رغم التأخر في النتيجة، وهو ما يعكس شخصية قوية وإصرارًا ذهنيًا عاليًا لدى اللاعبين. هذه السمة ستكون سلاحًا هامًا في التصفيات الآسيوية، حيث تحتاج المنتخبات الطامحة للتأهل إلى المونديال إلى هذه العقلية القتالية.
بعد هذا الأداء المشرف، أصبح واضحًا أن المنتخب جاهز للمنافسة بقوة في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم. الأداء الجماعي والانضباط التكتيكي والقدرة على مجاراة المنتخبات القوية كلها مؤشرات تؤكد أن المنتخب يسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق حلم الوصول للمونديال ولو من باب المُلحق.
ورغم الإيجابيات الكثيرة، والدعم والجهد الكبير الذي تم تقديمه من الوزارة والاتحاد، إلّا أنه لا يمكن تجاهل ما حدث لجماهير الأحمر الوفية في النهائي؛ إذ عانى المشجع العُماني من مشكلات تنظيمية كبيرة، خاصةً فيما يتعلق بتوزيع التذاكر وعدم الاستفادة من كامل الحصة المُخصَّصة للمنتخب.
ورغم إعلان الجهات المسؤولة عن شراء 10 آلاف تذكرة لتوزيعها مجانًا، إلّا أن هذه التذاكر اختفت بسرعة غير مفهومة، فيما لم يتم ضمان حجز الـ14 ألف تذكرة المتبقية! مما أدى إلى سيطرة الجماهير البحرينية على المدرجات وتأثيرها الكبير في النهائي.
أعتقدُ أنَّ المُعضلة تنظيمية بحتة، تتعلق بتعدد المسؤولية بين الوزارة والاتحاد، وتتكرر في كؤوس الخليج، ولذا لا ينبغي أن يُعاني المواطن في دولة المؤسسات والسفارات في كل بقاع العالم من تحديات مثل التي حدثت في "خليجي 26"؛ إذ إنَّ هذه المؤسسات وُجِدَت لخدمة المواطن وعليها دور مُهم في مثل هذه المواقف.. وأخيرًا.. إنَّ تأسيس صندوق واحد يُدار من جهة واحدة لاستقطاب الدعم المقدم من القطاع الخاص والمؤسسات الرسمية والأهلية في مشاركات المنتخب الخارجية وبل في دعم الرياضة العُمانية، بات ضرورةً تنظيميةً مُلحَّةً.