حيدر بن عبدالرضا اللواتي
تهتمُ الدول بمختلف القطاعات الاقتصادية باعتبارها المكونات الأساسية لخلق فرص العمل وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية على مختلف فترات السنة. ويأتي قطاعا العقار والمال في المنطقة في مُقدمة القطاعات التي تنال اهتمامًا كبيرًا من مختلف الفئات؛ سواء من المؤسسات الحكومية أو الخاصة ويعززان من التنمية.
ويهتم الناس بهذين القطاعين باعتبارهما من القطاعات التي يمكن أن يحققا الأرباح في فترة زمنية قصيرة، عكس القطاعات التي تتطلب وقتًا كبيرًا لإعطاء النتائج الإيجابية كما هو حاصل بقطاعات الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها من القطاعات الأخرى.
ويبدو أنَّ القطاع العقاري في البلاد تعرَّض لبعض الركود خلال السنوات الأخيرة، ولا يتحرك بصورة جيِّدة منذ فترة، ويحتاج إلى إصدار مزيد من التشريعات والقوانين ليتحرك تدريجيًا خلال المرحلة المقبلة، خاصة وأن الكثير من المؤسسات والأفراد استثمروا أموالهم في هذا القطاع على أمل أن يتمكنوا من بيع وحداتهم إلى الآخرين، وتسوية أوضاعهم مع المؤسسات المصرفية التمويلية نتيجة حصولهم على تمويلات مصرفية من البنوك على أساس فائدة سنوية من أجل إنشاء تلك العمارات والمباني، خاصة في محافظة مسقط.
ونتيجةً للظروف الاقتصادية التي مرّ بها العالم منذ عدة سنين مضت، فإن سوق العقار في السلطنة تراجع بصورة كبيرة من حيث بيع الوحدات وكذلك حصول تراجع في قيمة الإيجارات، في الوقت الذي اتخذت فيه الحكومة قرارًا بإنشاء مدن ومجمعات سكنية كبيرة، الأمر الذي يؤثر بصورة مباشرة على تصريف الوحدات القائمة، ويتطلب إعادة النظر في التشريعات والقوانين والسماح لمختلف فئات المجتمع من بيع هذه الوحدات التي يمتلكونها، بحيث لا يقتصر البيع على المجعات والمدن السياحية الجديدة فقط.
القطاع العقاري في عُمان تأثر بتباطؤ النمو الاقتصادي؛ ابتداءً من منتصف عام 2014 بسبب تراجع أسعار النفط العالمية، ومن ثم تعرّض العالم إلى بعض الأزمات المالية، فيما شهد عام 2020 انتشار وباء "كوفيد-19" لمدة 3 سنوات متتالية، وما زالت آثاره السلبية باقية على المجتمعات؛ الأمر الذي يشكّل ضغوطًا على القطاع العقاري أيضًا، وأدى إلى تراجع أسعار الإيجارات والبيع، خاصةً مع خروج العمالة الأجنبية من البلاد، وعدم تمكُّن المواطنين من شراء الوحدات بسبب الفائدة العالية للمؤسسات المصرفية، في الوقت الذي ما زالت فيه العمالة الأجنبية وأسرها تمثّل حوالي 40% من عدد السكان الحالي للبلاد.
الأرقام الأخيرة تُشير إلى أن أعداد الوحدات السكنية غير مأهولة وفق بيانات تعداد عُمان 2021 بلغت حوالي 87 ألف وحدة سكنية (ما يقرب من 20% من إجمالي المعروض السكني)، وقد تزايد عددها خلال السنوات الخمس الماضية، وهذه الوحدات الشاغرة معروضة للإيجار؛ باعتبار أن معظم العُمانيين يمتلكون منازلهم الخاصة. وحصل ذلك نتيجة لزيادة بناء الوحدات السكنية لسوق الإيجار، خاصة من الشقق السكنية ذات الدرجة المنخفضة، وأدى إلى فائض كبير في المعروض، في الوقت الذي انخفض فيه الطلب بسبب تراجع أعداد العمالة الأجنبية خلال الفترة الماضية وتأثر الطلب والعرض في السوق؛ الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الطلب على الشقق والفلل.
ورغم هذا التراجع إلّا أن بعض التقارير الحديثة تُشير إلى أن سوق العقار في عُمان سوف يزدهر خلال السنوات الخمس المقبلة وحتى عام 2029؛ ليرتفع حجمه من 4.38 مليار دولار أمريكي في العام الحالي 2024 إلى حوالي 6.80 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 9%.
كما يعمل المطوِّرون التركيز على بناء الوحدات السكنية الكبيرة في المجمعات والمدن السياحية المرخصة للتمليك، وتمكين الراغبين من الأجانب الذين تزيد أعمارهم عن 23 عامًا من شرائها، بجانب تمكينهم من شراء الوحدات في المباني السكنية والتجارية متعددة الطوابق بموجب نظام حق الانتفاع لمدة 99 عامًا، خاصةً أولئك الذي يحملون تصاريح إقامة سارية المفعول لمدة عامين على الأقل. ويرى أصحاب العقار من المواطنين أنه من الضروري خلال هذه الفترة فتح نفس الباب لهم وإعطائهم المجال لبيع ما لديهم من المعروض؛ سواءً من الفلل أو الشقق القائمة في العديد من الاماكن في مسقط وخارجها، للتقليل من الاضرار المالية والديون التي يعانون منها لصالح المؤسسات المصرفية، خاصة وأن السوق بامكانها أن تستوعب المشاريع الجديدة التي يمكن أن يُقدم عليها الشباب وفق إمكاناتهم وقدراتهم المالية لتوفير الاستقرار والترفيه لهم مع عائلاتهم؛ الأمر الذي سوف يساعد على زيادة تغطية الفجوة القائمة بين العرض والطلب على الوحدات الجاهزة، والقضاء على الركود في المبيعات.
وهذا يُمكن أن يتحقق من خلال السماح للأجانب- وخاصة المُقيمين في البلاد من مختلف الشرائح- بتملُّك هذه الوحدات المعروضة للبيع خارج نطاق المجمعات والمدن السياحية الجديدة، إضافةً إلى القضاء على التحديات القائمة؛ كتقديم إعفاءات ضريبية أو تخفيضات في رسوم الأراضي للمطورين، وتسريع وتيرة الإجراءات الإدارية، علاوة على إنشاء صندوق لدعم الاسكان المُيسَّر للشباب الراغب في امتلاك وحدة سكنية حديثة.