خليفة بن عبيد المشايخي
تتفرع أيامنا وهي تحمل في طياتها أحداثاً مختلفة، وتتنوع الأوقات وعادة ما تكون حبلى بالسراء والضراء، فدوام حال واحد مؤكد، أنه من المحال، ويوما عن يوم نقترب من فصول نهاية بقائنا على هذه الأرض، في وقت كان كثيرون يحدثون أنفسهم بالبقاء على أديمها وفوقها أكثر مما مكثوا وبقوا، متناسين أن ملفاتنا يُمكن أن تطوى في لحظة، وسجلاتنا يمكن أن تغلق بخيرها وشرها في وقت لم تتوقعه.
إننا نعيش اليوم هذا العام وقد أوشك على أن يودع ولم يبقَ من أيامه إلا القليل، فهذا القليل منه هل سنكون فيه أم سنكون من أعداد الموتى وأحد أرقامهم عليه.
في هذا العام حدثت الكثير من المآسي والمصائب والكوارث والأحداث، فمن منَّا كان يتوقع رحيل إسماعيل هنية الزعيم السياسي لحركة حماس، باغتياله مع حارسه الشخصي في العاصمة الإيرانية في 31 يوليو 2024، ومن كان يتوقع استشهاد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 27 سبتمبر 2024، إثر غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت، جاءت بعد معلومات حصل عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي تُفيد باجتماع لقادة حزب الله هناك.
ومن كان يتوقع أنه في يوم الأربعاء الموافق 16 أكتوبر من عام 2024، سيقتل الجيش الإسرائيلي الزعيم السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس يحيى السنوار بعد تبادل لإطلاق نار في رفح، جنوب قطاع غزة.
وقبل كل هذا من كان يتوقع مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له في سقوط مروحيتهم بمنطقة جبلية في 19 مايو من هذا العام؟
كذلك في هذا العام من كان يتوقع هروب بشار الأسد ودخول سوريا في هكذا معترك وحراك سياسي.
وعلى المستوى الشخصي لم نكن نتوقع الرحيل المباغت لأخي الشاب اليافع الخطاط سعيد بن نصيب المطاعني فجر الثاني من ديسمبر الجاري، إثر حادث سير أليم أودى بحياته مباشرة، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
كل تلك الأحداث حدثت ولم نكن نتوقع حدوثها، فلله الأمر من قبل ومن بعد، والشاهد والمقصد من سرد هذه الأحداث، أنه كل منَّا لا يضمن نفسه ليعيش لحظات من عمره، وبالتالي يتوجب علينا أخذ الحيطة والحذر من هذا المارد وهو الموت، الذي يخطف الأرواح فجأة، دون سابق إنذار.
والحديث يقول من مر من عمره أربعين سنة في هذه الدنيا وخيره لم يسبق شره أو لم يكن خيره أكثر من شره، فليعد نفسه والعياذ بالله لنار جهنم، ومعلوم أن الإنسان إذا مات قامت قيامته.
إن الأعمال بخواتيمها وعلينا أن نحدث أنفسنا بأن تكون خواتيمنا حسنة، وان نكون أفضل من أي وقت مضى، وأكثر قربا من الله تعالى أكثر من أي وقت مضى، فو الله ما رأيناه أن الحزن على الميت، ساعات فقط، ومن ثم تبدأ الحياة تعود لأقربائه تدريجيا، فيضحكون ويأكلون ويشربون ويمرحون، ويتنازعون على الميراث وعلى من يسدد دينه ويوفي بوعده، ويكرمه بصدقات جارية وهو في قبره.
كل واحد بعد ذلك سينشغل بنفسه، وكل واحد سينسى رهبة الموت بعد ساعات من دفن ميته وكأن شيئاً لم يكن، لذا فتصحيح العلاقة مع ربنا أمر حتمي وضروري قبل أن نكون جثثاً هامدة، فبعد ذلك ليس هناك عمل صالح نقوم به، وإنما حساب وعقاب، فإما في الجنة مخلدين منعمين فيها وإما عكس ذلك أجارنا الله.
إن هذا العام الميلادي أوشك على أن يودع وتفصلنا عنه أيام، فلنسارع لنكون خير الناس أنفعهم للناس، ولنسارع لنسامح ونصفح ونجاهد أنفسنا على الثبات على الطاعة والصلاح والاستقامة، علينا أن نكون كالمطر ينقع أينما يقع، علينا أن نرحم ونعمل من أجل أنفسنا والناس الذين تولينا أمرهم، علينا التفكر في أداء الأمانات وحمل المسؤوليات بصدق ووفاء وإخلاص، فلا نظلم أحداً ولا نتسلط على أحد، ونحب للناس ما نحبه لأنفسنا، إذ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لغيره ما يحب لنفسه، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
علينا أن نعتبر ونتعظ من الموت الذي لا يفرق بين الصغير والكبير، فكم أؤلئك الذين فقدناهم وهم شباب يأملون أنفسهم بالعيش لسنوات وسنوات، وهاهم اليوم تحت التراب ميتين، وكل شيء بعدهم أصبح طبيعياً، فرجالهم ونساؤهم تزوجت، وبيوتهم سكنت وأموالهم وزعت، وخيراتهم تفرقت وهكذا، فليس ببعيد أن يكون التالي من المتوفين أنا أو أنت أو أنتِ، فالله نسأل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.