عائض الأحمد
في قريتي الصغيرة التي احتضنت طفولتي لم أكن أشعر بأنَّ أحدًا ممن كانوا حولي مختلف أو ينقصه شيء أملكه واتفرد به، أسنان المشط متساويات والشعر المنسدل على أكتافنا، لونه واحد ومن نفس الماء والمنبع، نغسله كلما تسنى لنا ذلك.
كل شيء نعده ونحسبه بقدر حاجتنا، لم نكن نتوجس خيفة من أحد ولم يكن لغريب أن يفسد قضيتنا، كنَّا القضاة وكنَّا الحكام فيما اختلفنا فيه الود والرأي لم يسقطا القضية أبدًا، ظهورنا لم يكن يتجاوز تلك المساحة الضيقة، يومنا ينتهي بحلول الظلام ونهارنا يبدأ بالنور به نحيا ونرتع ونسرح ونلتقي.
أحلامنا تشبه حياتنا محدودة ميسرة أقصاها حب عابر وكأنَّ ابنة الجيران سيدة نساء العالمين وطموح العاشقين ومن هام على وجهه صعودا ونزولا في قمم تلك الجبال التي سكنتنا قبل أن نسكنها، فقد أظهرت أجمل ما نملك، حب الحياة والتسامح وتقبل الآخرين.
كنت أشعر بأن الجميع آبائي وكل صدور الأمهات كصدر أمي، لم يكن بيننا إذن لقاء أو طلب يستنكره أحد، كانت منازلنا بدون أبواب مشرعة بأدب، أقصى مراتب العتب الغياب عن "الرواح" وفيه تثار الطرف وأخبار القرى الأخرى ولن تخلو من غارات وبطولات الأجداد وحماسة المستمعين ويختم النهار بشمس الأصيل، فتغلق أبواب لتفتح قلوب لم تكن تعرف إلا الحب.
بقاء الحال يشبه السؤال الذي لم يفتأ يطرحه دون أن يجد خلاصا من تبعاته الموجعة أين أنا من ذلك الأمس هل للأيام من عودة؟
الذكريات توقد مشاعل فتيل الصبا، وتنعَى حاضرها الغائر في قسوته وامتناعه عن رد الجمال بمثله، الكلمات تشبه الخطوات لن تكررها إن لم تصل بك إلى ما تريد، والأخطاء ربيبة البشر إن لم تتجاهلها لمن تحب، علقت في جدار قلبك وسحقت كل غراسك وذرته الرياح هباء إن حاولت تطويعه أصابك وهن صغره، وإن أكبرته سحقتك غلظته وردة فعله، وأنزلك منزلة الخائن العابث، حينها تظهر أسوأ نسخة حفظتها البشرية فقاطع الود كقاطع الوريد ومن قتل قلبًا واحدًا سهل عليه دك أفئدة أخرى.
لم يعد لنا من سبيل لاستحصارها فشرارة تلمع في محيط مظلم تظن بها خيرا نور قادم لا محاله، وإن كان صبرا فمن عاش عقدين كاملين لن يُضنه حولان آخران يربت فيهما على كتفيه، قبل أن ينزله متكى الغفلة ويسقط حمله ويودعها لم يعد لي بذلك قدرة أو فاقة.
حينما انزلتك الروح وستخلفت بأنفاسك أكسجين الحياه، فلا تقطعي وصالا أعيش له وانحني، دعي الرياح والشمس وما تحمله السماء ينبض حبا لم يكن يوما يسير بغير هداك.
ختاما: ليتني استبقيتك حلما، فالواقع أشد مرارة وسطوة وغفلة.
شيء من ذاته: سئمت صمت مشاعرك وبخلها، فتسولت طعاما لا يشبهني فذقت مرارته.
نقد: ما تراه يمثلني في ساعتي هذه فقط، الحساب لا يجمع دائما، النقص صفه إنسانية.