د. قاسم بن محمد الصالحي
لا ريب أن التكنولوجيا الحديثة جعلت المرء يميل تجاه مشاهدة كل ما يحدث على الكرة الأرضية، بشكل مباشر، سواء كانت أحداث الطبيعة أو حروباً بشرية تنافسية بين القوى العالمية أو تجاه واحد من الأحزاب أو المتنافسين في أي انتخابات تجري في دول مؤثرة، ولها شأن أو تدخل وهيمنة، في منطقتنا المثقلة بالأحداث والهموم، كما نميل في أحيان إلى أحد الأقطاب، أو نرى خطر القطب العالمي الأوحد أكثر خطرًا من تعدد الأقطاب، وغيرها من تلك المعادلات.
إلّا أن هذا الميل يغيبُ في تكتلنا ووحدتنا، ظهر منا من يتمنى أن يخسر طرفا الانتخابات الأمريكية، وهي الأمنية المستحيلة، وآخرون تمنُّوا انتصار مرشحة الحزب الديمقراطي، لكن الأمر الذي وقع أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب انتصر على منافسته المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، ووصل الحزب الجمهوري الى الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ بالولايات المتحدة. اذن ها هو العالم يترقب ولاية ترامب المقبلة، ومآلات الصراع الدائر في منطقتنا، والمفاجآت التي يمكن أن يقوم بها هو وفريقه المختار.
والسؤال: هل ستغسل إدارة دونالد ترامب المقبلة ذنوب أمريكا؟ وتطهر ضميرها مع جرائم الإبادة التي حصدت ما يزيد على 148 ألف بين شهيد وجريح في غزة، ارتكبها الكيان اللقيط، ثم وسع مساحة مجازره في لبنان، بدعم أمريكي وأوروبي، أم ستمكن رأس الكيان من متابعة قتل الأطفال والنساء والمسنين، واعتقال المزيد، وقصف المدنيين؟
ينبغي على من يشاهد أن يعلم، أن أي من الإدارات الأمريكية تحتفظ بالكيان اللقيط في المنطقة كورقة حاسمة لبسط هيمنتها على العالم، وكقاعدة متقدمة تتحكم منها على الطرق البحرية والمضائق، والسيطرة على المخزون الهائل من الثروة في المنطقة.
يبدو أننا نعيش مرحلة عالمية شبيهة بتلك التي أشعلت الحربين العالميتين الأولى والثانية، وندور في دوامة من أكاذيب ومصالح تلك المرحلة الفظيعة، جميع أقنية الاتصال مفتوحة بين واشنطن والكيان اللقيط، وترامب أظهر تمسكه برؤيته للمنطقة، التي بدأها في رئاسته الاولى، هي حقيقة واقعة.. تستمر البجعة العرجاء في إرسال مبعوثيها إلى المنطقة، وبنتيجتها تزداد المجازر المرتكبة في حق كل ما هو مدني. وقد تنفس ترامب الصعداء؛ إذ أصبح الرئيس رقم 47 للولايات المتحدة الأمريكية..
في النهاية، لم يتغير شيء، في الواقع فرأس الكيان اللقيط سيبقى في السلطة حتى تنتهي صلاحيته، وسيواصل جيش الكيان وقطعان المستوطنين والطائرات الحربية الأمريكية والمعدات العسكرية الأوروبية قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير كل سبل الحياة في غزة ولبنان.. لا داعي للسرور ووضع استراتيجيات تفاوضية تضج بالآمال المستقبلية، لأن أمريكا دعمت وتدعم الكيان اللقيط ببذخ لرسم شرق أوسط جديد، وعلينا أن ننظر عند مشاهدتنا للانتخابات الأمريكية الى التضحيات والدماء التي سالت حتى الآن.
النتيجة التي يمكن أن تخلص إليها المنطقة من كل هذه الفوضى هي التمسك بالحق والدفاع عنه، في ظل استراتيجية إقليمية تحفظ الأمن والاستقرار، وأن لا ننخدع بالصراع بين القوى الكبرى في منطقة امتزجت بها الأكاذيب بالدماء، القضية كبيرة ومختلفة، تحتاج إلى التقدم على مسار الدفاع عن الأرض والمقدسات.
إننا نعيش في عالم قتل فيه 15 مليون مسلم منذ عام 2003م، في أفغانستان واليمن والعراق وسوريا وليبيا.. لا معنى لأن نرفع سقف الآمال من إدارة دونالد ترامب، ما يعني شعوب المنطقة من إدارة ترامب هو إلغاء احتلال الكيان اللقيط لفلسطين، وتطهيرها من المستوطنات، وإزالة الغطاء عن الكيان المقام تحت العلم الأمريكي، لأن من يسعى الى إشعال فتيل حرب عالمية ثالثة هو رأس الكيان اللقيط وزبانيته، وترشيحات ترامب للوزراء تبدو مصممة لإشعال مثل ذلك، فريق ترامب القادم من عتاة داعمي الكيان اللقيط، ومؤيدي الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبعضهم مؤمن بأسطورة "المعبد" المزعوم، وممن يظهر تعاطفه مع المنظمات المتطرفة، وغيرها من القضايا بالغة الخطورة والمرتبطة بالقدس المحتلة، وهو ما يعيد الى الأذهان ولاية ترامب الأولى وما أظهرته أكمته من قرارات، فهل وراء أكمة إدارة ترامب القادمة شيء من "قورش الكبير" الذي يذكر في التاريخ والتوراة بأنَّه سمح لليهود بالعودة إلى القدس وبناء الهيكل بعد السبي البابلي؟