الثقوب في الجدار

 

 

سالي علي

 

هدفي من كتابة هذه المدونة هو استكشاف الأهمية التاريخية والثقافية لجدار غزة وجدار برلين كمعالم تاريخية تحمل كل منهما أحداثًا ومعاني عميقة لذا سأقوم بتسليطِ الضوء على الأثر الذي تركه كُل جدار في التاريخ المعاصر وكيف أثّر في السياسة الدولية والحياة الثقافية للشعوب المتأثرة بهما و سأقوم بتحليل العوامل التاريخية والاجتماعية والسياسية التي أدت إلى بناء هذه الجدران والتأثير الذي خلّفته على المجتمعات المحيطة بهما وكيف تشكّلت الثقافة والهوية بسبب هذه التجارب التاريخية..

تحتفظُ الجدران بأسرار توارثتها الأجيال؛ حيث تحفر بصمات تاريخية تروي قصصًا مؤلمة وتجارب مأساوية، إنها رموز للانقسام والحصار، ورموز أيضًا للصراع والأمل.

تاريخ جدار غزة الذي يجسد قضية فلسطينية معقدة قد أنشئ في عام 1994 وتم تعزيزه في عام 2000 في إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ولم يتم هدمه كليًا حتى يومنا هذا.

يحيط الجدار بقطاع غزة مما أدى إلى حصار اقتصادي واجتماعي وسياسي أثّر على حياة المدنيين بشكل كبير. ومن ناحية أخرى، جدار برلين الشهير الذي كان يفصل بين الشرق والغرب في ألمانيا، وكان رمزًا لانقسام العالم خلال الحرب الباردة قد تأسس في عام 1961 وتم هدمه في عام 1989 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة.

التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل من جدار غزة وجدار برلين تظل مسألة حيوية فالحصار الإسرائيلي لغزة أثر سلبًا بشكل كبير على حياة السكان، مما يؤثر على التعليم والصحة والاقتصاد والثقافة بالمقابل أدى انهيار جدار برلين إلى إعادة توحيد ألمانيا وتحول سياسي واقتصادي واجتماعي هائل.

إن الجدار الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة يُعد جزءًا من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فقد أحدث تأثيرًا سلبيًا على الحياة اليومية لسكان غزة؛ مما أثر على القطاع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي كما يعتبر الجدار سببًا رئيسيًا في قلة الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم، كما ساهم في ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتدهور الوضع الصحي والنفسي للسكان، وهم حاليًا شعب نازح لا يمتلك كفنًا ويُدفن جماعيًا يشرب الحي منهم مياهًا مالحة مصدرها البحر مباشرة منقطع عن العالم والأصح بأن العالم أراد الانقطاع عنه فلا تصله مساعدات ولا يؤخذ بحقه أي قرارات إنه شعب تلعب أطفاله لعبة تشييع الجنازة ولعبة من يكون شهيدًا بينما تمارسُ الأم فنَ النقش على أجساد أطفالها فتكتب الاسم كاملًا حتى يتم التعرف عليه بعد زوالِ ملامحَ أجسادهن.

من ناحية أخرى، نجد جدار برلين الذي كان رمزًا للانقسام العالمي والصراع السياسي، كان الجدار يفصل بين شرق وغرب برلين وكان يمثل حدودًا تقسم بين نمطي حياة مختلفين بشكل كبير، بعد هدم الجدار والتوحيد الألماني في عام 1989، شهدت ألمانيا تحولات هائلة في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة. وقد تكاتف الشعب الألماني للعمل سويا من أجل إعادة توحيد البلاد وتجاوز آثار الانقسام والانفصال.

ومن المهم أيضًا التطرق إلى الجوانب الثقافية والفنية لكل جدار فقد شكل كل منهما مصدر إلهام للكثيرين، وأدّى إلى نشوء أعمال فنية وأدبية وثقافية تعكس الصراع والتحديات التي تواجهها المجتمعات المتأثرة.

يعكس الفن والثقافة تأثير الجدران على التاريخ والذاكرة الجماعية للشعوب المتأثرة.

وعلى الرغم من اختلاف السياقات والتاريخ، فإن كل من جدار غزة وجدار برلين يثبتان الضرر الذي يمكن أن تسببه الجدران الفاصلة والحواجز الحدودية في حياة الناس وعلاقاتهم.

ومن هذه القصص يمكن أن نستخلص دروسًا حول الأهمية الحاسمة لبناء جسور التواصل والتفاهم والتعاون بين الشعوب، وتحقيق السلام والعدالة الاجتماعية ولكن هذه الدروس تحديدًا قد حصلت وحققت نتائج إيجابية في أوروبا بينما ضمن حدود ما يسمى وطنٌ عربي يبدو الأمر أكثرَ تعقيدًا بالأخصِ حينَ يتطرقُ الأمر للتعبيرِ عن رغباتِ الشعوب في التعبير من خلالِ أيّ وسيلةٍ للمطالبة في حقوقها وفي حرية اختيار مصيرها كما حصل في برلين حين رسموا على الجدران وكما حصل أيضا في غزة لكن المفارقة تكمنُ هنا.

فإن الفن والرسم على الجدران قد أثر بشكل كبير على نفوس أبناء الأرض المحتلة فقد مثل وسيلة فنية للتعبير عن الهوية والصراع والأمل. وقد بدأت ظاهرة الرسم على الجدران كوسيلة للتعبير عن المقاومة والتضامن مع القضايا الاجتماعية والسياسية؛ فهو يمثل تحديًا للقمع والظلم ووسيلة لنشر الوعي وإيصال رسالة إلى العالم بشكل عام. ويتيح هذا الفن الفرصة للفنانين للتعبير عن معاناة الشعوب والصراعات والتضامن مع القضايا العادلة. وإضافة إلى ذلك، يعتبر كوسيلة لجذب الانتباه إلى الظروف الصعبة التي يواجهها الناس في أراضٍ محتلة، كما وفّر وسيلة للتعبير والتسلية لأبناء الأرض المحتلة.

وبهذه الطريقة يؤكد الفن والرسم على الجدران ويواصل على إيصال رسالة الأمل والثورة من خلال التعبير الإبداعي؛ ففي برلين امتدت رسومات الممانعة للتعبير عن ما حصل من تقسيم تفريق تجزيء جَبري بين المواطنين وطالبوا حينها بهدمِ الجدار لتعودَ حرية التنقل،حرية المرور وحرية ممارسةِ الفكر.

بينما في غزة، نشأت الرسومات على الجدران لمناهضة الاحتلال الذي يدّعي الأحقية التاريخية والدينية بالأرض والذي يمارس أيضًا أبعدَ ما يمكن عن الإنسانية من وسائلَ قمعية فيها إذلال وتشويه لصورة الشعب الفلسطيني المقاوم أمام العالم أجمع، والذي نشهدُ الآن تحولًا جذريًا في القسم الغربي منه تحديدًا، فقد بدأ الشعب هناك يستوعب حجم أكذوبة إسرائيل والحقيقة المظلمة عنها بسبب التأثير الإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي والشخصيات المؤثرة المشهورة ممن يمتلكون متابعين كُثرًا والذين ساهموا في نقلِ صورة فلسطين الأولى قبيلَ سرقةِ هويتها ومحوها عن الخريطة فقد نقلَ باسم يوسف المذيع المصري صوت الحق بلغة عالمية والتقط معتز عزايزة الفلسطيني معرضًا فوتوغرافيًا حيًا لمواجهة أبناء غزة أقسى جرائم الحرب ورفعت بيلا حديد الأمريكية من أصول فلسطينية الكوفية على رأسها ضمن مظاهرات لوقف الحرب على غزة,

إن ما حدث في غزة من تهجير وإبادة وقتل عشوائي ذكّر الجميع بنكبة 1948 التي غادر فيها الشعب حاملًا مفتاح منزله بينما الآن بالكاد يحملُ الفلسطيني ما بقي من جسدهِ.

وختامًا.. أرجو الانتباه للضوء الذي حاولت مقاربة ومفارقة فيه لأن تجدوا من خلفهِ البوصلة الحقيقية التي أردتُ مشاركتها وهيبأنّ الحرب على ألمانيا كانت باردة، بينما على غزة فهي ما تزال ساخنة جدًا، وبأنّ جدار برلين قد هُدم وتحولت أجزاء منه لمتاحف ومعارض، بينما جدار غزة ما يزال واقفًا عائقًا أمام شعبه، كأنه سجن دون سقف يرى الشمس، لكنّ الشمس لا تراه وأيضا أنّ جدار غزة الآن قد احتوى ثقوبًا صغيرة تشبه النجوم في ليلة داكنة لا ضوء للقمر فيها لكنه وفي يومٍ ما سيشهد على ثقبِ ولادة لجنين دمه مزيجٌ ممن رحلوا، عيناهُ بندقية، ويداهُ كوفية وقدماهُ قضية حافية ترفضُ انتعالَ حذاءِ الهزيمة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة