تعظيم إدارة السمعة في الأزمات

 

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

يُعدُّ عِلْمُ إدارة الأزمات الإعلامية من المفاتيح الوازنة في التقاط إشارات الكوارث والتعامل معها قبل وقوعها؛ فلا يُمكن السيطرة على أي أزمة أو حتى التقليل من آثارها الكارثية، إلّا بوجود إعلام وطني صادق يكون سندًا وليس خصمًا في إدارة الأزمات الطارئة؛ فنحن نحتاج إلى العديد من المبادئ الأساسية لكي تكون حاضرة في مثل هذه الأوقات الصعبة.

ولعل الاستعداد لما هو غير متوقع أو الأسوأ من خلال خطة إعلامية واضحة المعالم تحدد ما يجب نشره من المعلومات للرأي العام يُعد حجر الأساس في علم إدارة الأزمات الإعلامية. فالإعلام أداة فعالة من أدوات إدارة سمعة المؤسسة، ذلك لكونه حلقة من حلقات التواصل والترابط بين صناع القرار والجماهير. فالسمعة الحسنة؛ هي رأس المال الحقيقي لمُختلف المؤسسات والأجهزة الرسمية والخاصة؛ بداية بالحكومة التي تعد العقل المدبر لأمور الدولة والشأن العام للمجتمع، ومرورًا بالوزارات والهيئات الحكومية التي تقدم خدماتها للمواطنين، وانتهاءً بالشركات والمؤسسات الخاصة التي تعتمد بالكامل في وجودها واستمراريتها على رضا عملائها عن منتجاتها وخدماتها المختلفة.

والسمعة الحسنة بمثابة جواز سفر لكل مؤسسة تطمح لتحقيق النجاح وبناء الثقة المُستدامة التي لا تُقدَّر بثمن فكسب القلوب عملة نادرة. ولكي ندير الأزمات وسمعة المؤسسات إعلاميًا بطريقة صحيحة، تظهر الحاجة إلى مُتحدِّث رسمي باسم الوزارة أو المؤسسة التي تبحث عن النجاح والتميُّز لتعظيم دورها الإعلامي مع المجتمع المحلي، بشرط أن يتم اختيار الناطق الرسمي الذي يجب أن يتمتع بالثقة بالنفس والاطلاع على سياسة الجهة التي يمثلها، وقبل ذلك كله امتلاك مهارات الكتابة والتحدث في مختلف المنابر الإعلامية. ومن أهم الإيجابيات في هذا العصر؛ كيفية الاستثمار الأمثل في منصات الإعلام الرقمي وتطويعها لخدمة الوزارة أو الشركة بأقل التكاليف. وحول أهمية وجود المتحدث الرسمي، فقد استبشرنا خيرًا بمبادرة العديد من الجهات الحكومية بتعيين متحدث رسمي في تلك الوزارات والهئيات الحكومية العام الماضي، على أمل أن يظهر الناطق الرسمي بشكل دائم ويكون له حضور قوي وفعَّال في الوسط الإعلامي، وقبل ذلك كله أن يكون مُطَّلعًا على مُختلف الزوايا المُشرِقة وغير المُشرقة لدى الجهة التي يُمثلها والتي تهم الجمهور، ثم تقديمها أولًا بأول للرأي العام بكل شفافية وصراحة، موضحًا في ذلك النجاحات أو حتى الاخفقات إن وُجِدَتْ، على أن يتم توضيح آلية العمل المتعلقة بمعالجة تلك التحديات التي تواجه المؤسسة والتي ترتبط في كثير من الأحيان بالامكانيات المالية والبشرية؛ إذ إنَّ الكشف عن ذلك يساعد الجهات المسؤولة عن صنع القرارات العليا أن تتعرف على حجم المشكلة وطبيعتها والعمل على حلها في أقرب فرصة ممكنة.

والسؤال المطروح الآن، هل تغير وضع سمعة تلك الجهات التي لها متحدث رسمي أو حتى تدفق المعلومات من تلك الوزارات والهيئات إلى الإعلام؟!

في واقع الأمر لا جديدَ في هذا المجال، على الرغم من مرور أكثر من عام على تلك المبادرات الوطنية، وذلك لأن هناك اعتقادًا بأنَّ تسمية المتحدث الرسمي وحده تكفي لرفع أسهم المؤسسة دون تزويده بالمعلومات الضرورية التي يمتلكها في العادة رئيس الوحدة، ولا يرغب في وصولها إلى الجمهور؛ بل هي في نظر البعض يجب أن تكون "سِرِّية" حتى وإن كانت تدور في مجالات التخطيط المستقبلي والموارد المالية وآلية اختيار الأشخاص للمناصب، فتلك السياسات جرَّدت الشخص الذي يُخاطب الإعلام من قوة المعلومة وأهميتها، ومع مرور الأيام يُصبح وكأنه يتحدث إلى نفسه!

ومن أبرز ما يمكن الإطلاع عليه في مجال الإعلام وإدارة الأزمات تجارب الحكومات والشركات في إدارة الأزمات إعلاميًا عبر العالم. وتبرز هنا في المقدمة الأزمة التي أدارتها شركة النفط البريطانية (BP)، وذلك في أعقاب انفجار منصة "ديب وُوتر" في خليج المكسيك في الولايات المتحدة الأمريكية في أبريل 2010؛ حيث تسبب الحادث في حصول واحدٍ من أكبر التسريبات النفطية البحرية في العالم، ثم أكبر كارثة بيئية في أمريكا الشمالية. فقد خسرت الشركة أكثر من 60 مليار دولار؛ دفعت منها تعويضات للحكومة الأمريكية والمجتمع المحلي في المنطقة بأكثر من 50 مليار دولار. ولكي تتمكن الشركة من السيطرة على الأخبار المُتعلِّقة بهذه الكارثة عبر العالم، طبَّقت نظرية "كمبس" للتحكم بالمعلومات؛ إذ تقوم  هذه النظرية على  تكوين علاقات دائمة مع وسائل الاتصال وتوظيفها للدفاع عن المصالح والسمعة أثناء الأزمات. ولتحقيق ذلك الهدف قامت شركة (BP) بشراء جميع حقوق نشر المعلومات الخاصة بالأزمة؛ وذلك من معظم مُحرِّكات البحث العالمية؛ بهدف التحكم بانتشار المعلومات وتوصيل وجهة نظرها الحصرية للعالم.

في الختام.. يبدو لي أنه قد حان الوقت لإشهار أكاديمية عُمانية تُعنى بتدريب الشباب على إنتاج محتوى رقمي يُناسب المجتمع العُماني، ويُعبِّر عنه في المحافل الدولية، كما يُفترض لهذه الأكاديمية- إذا ما رأت النور- أن تحتضن مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي بهدف إطلاعهم على الثوابت الوطنية والارتقاء بهم وتهذيب "المواطن الصحفي"، وتشجيعهم على إنتاج المضامين الإبداعية، والبُعد عن التضليل الإعلامي، وعدم الجنوح إلى نشر الشائعات التي تُهدد بتدمير المجتمعات، والأهم من ذلك كله المساهمة في تعظيم القوة الناعمة العُمانية، وذلك من خلال إبراز الحاضر المشرق والماضي التليد لعُمان، من خلال عقد ندوات شبابية ثقافية في الجامعات العُمانية، وكذلك عبر قنوات الإعلام الرقمي تحت إشراف هذه الأكاديمية المُقترَحة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

الأكثر قراءة