عجائب المسلمين في قضية غزةَ وفلسطين

 

داؤد بن سليمان الظفري

مُنذ أن بدأ طُوفانُ الأقصى الذي نهض به مجاهدوا كتائب القسَام ومن يُناصرهم من داخل دولة فلسطين وخارجها، قد أكمل سنةً كاملةً وأكثر، وهم يُجاهدون في سبيل الله، ويَسعون إلى تحرير أنفسِهم ودولتِهم من ظلم الصّهاينة اليهود وشرِّهم، ومن مُعاملتهم السيئة والقهريّة والتعسَفيّة اتجاه الشعب الفلسطيني؛ كالتّعدي على المسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين، وسرِقة المُمتلكات العامة والخاصة، والقتل العشوائي بدون مبرر، والإذاء بمختلف أنواعه ودرجاته.

كلُّ هذا وغيره ازداد بعد حادثة طُوفان الأقصى إلى أن بلغ الأمر الدخول في حربٍ كبرى، وتعاون المشركين والخونة من الدول الغربية والعربية مع الجيش الصهيوني، حيث نرى في كل يومٍ مشاهد أقسى من التي قبلها، ونرى كيف أنّ هذا العدو أصبح مهوسًا بالقتل والتدمير كأنه ثورٌ هائج يدمّرُ أي شيئٍ أمامه من الكائنات الحيّة وغيرها، فالساحة قد تُركت له، وقادةُ الدول وحكّامُها ينظرون من أعلى قمة من غير أن تتحرّك لديهم مشاعر الغيرة والنخوة والإنسانية، ينظرون إلى أفعال العدوِّ المحتل بهدوءٍ وصمت، وكأنهم قد سُلبوا فطرتهم السويّة التي تدعو إلى الرحمةِ والرأفةِ والرفقِ بكل كائنٍ حي، فما بالنا بأولئك الأبرياء الذين دُمّرت مساكِنهم، وانتُهيكت محارمهم، وسُلبت كلُّ حقوقهم.

ومن عجائب تصرُّفات بعض المسلمين عامّة، أنهم أُصيبُ بعدوى ألّلا مبالاة، فعند بداية حادثة طوفان الأقصى عقدوا العزم على مقاطعة الشركات الداعمة، ومنتجات العدوِّ الصهيوني ومن يقف معه، حتى أصبح الأطفال يعرفون هذا الأمر ويُنكرون على من يشتري هذه المنتجات، وكان هذا من التحوّلات الحديثة التي يفرح لها قلب المؤمن؛ إلا أنه عندما طالت مدّة الحرب، وتعوّدوا على مشاهدة الأحداث وتكرارها؛ بدأ البعض بل أغّلب المسلمين، تُوسوس لهم أنفُسُهم الأمّارة بالسوء، وبدأ المللُ والعجزُ والتخاذُل يتسلّلُ إلى قلوبهم، واشتعلت نار الشهوة على نار الجهاد والإتحاد، فبدأوا بشكٍل تدريجيّ يتراجعون عمّا عقدوه من عزمٍ سابق، فبعضهم بدأ يشتري المنتجات الداعمة وما يتبعها بشكلٍ خفي أو يتعامل مع شركات التوصيل حتى لا يراه الناس ويُصبح حديث المجتمع، أو يخاف بأن يُتّهم بالخيانة وبعدم المبالاة لإخوانه المضطهدين في أرض فلسطين، فأين هؤلاء من قول الله تعالى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (المائدة: 2)، أوليست لديهم قلوبٌ تجعلهم يستشعرون العذاب والألم الذي يمرُّ به إخوتهم المسملين، أم أنّ قلوبهم أصبحت خاوية فلا تحمل ذرة إيمان، وأصبح جلُّ همّهم بُطونهم وراحتهم النفسية والجسديَة، فمن لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم، أم غابت عنهم أحاديث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تدعو إلى الإتحاد والتعاون والاهتمام لأمر المسلمين، كقوله صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ كمَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، ثُمَّ شَبّك بين أَصابعه).

فيا ليت هؤلاء يعلمون مدى التأثير الحقيقي للإستمرار في المقاطعة، وأنها أحد أهم الأسباب الكبرى في نصرة إخواننا المسلمين في فلسطين، وهزيمة العدوِّ المحتل وإخضاعه، ووقوعه في خسائر اقتصاديِّة كبيرة، ولكن هيهات هيهات، فأغلب هؤلاء المسملين يحملون أفكارًا غير عقلانية، قد استهوتها أنفسهم وألقاها الشيطان في قلوبهم، فتراهم يقولون مالنا وللحرب فإننا نعييش في أمنٍ وأمان، وبعضهم يقول هل من المعقول والمنطق أنّنا سننتصر عند منع أنفسنا من شراء الشراب أو الطعام الذي يدعم الصهاينة، وآخرون يقولون هل نَحّرم أنفسنا وأبنائنا من الإستمتاع بالطعام والشراب الذي نحبّه، وغيرها من الأقوال والأفكار التي يتعجَب لها المؤمن الحق ﴿إِنَّا جَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۖ وَإِن تَدۡعُهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ فَلَن یَهۡتَدُوۤا۟ إِذًا أَبَدࣰا (الكهف: 57).

وعند الحديث عن سلاح المقاطعة، تسمع بعضً من الذين يدّعون أنهم علماء ودعاة ومثقفين، بل هم المُخذّلون المتخاذلون يعارضون هذا الأمر، ويقولون بأن المقاطعة تحتاج إلى إذن من القائم بالأمر، وما هذا الإدّعاء إلا طريقٌ يلتجأ إليه هؤلاء الكاذبون على الله حتى يمنعوا الناس من البدء أو الاستمرار في المقاطعة. فبهذا جمد الحق، وتعمّق الباطل، وأُهدرت كرامة المسلمين، وأُضيعت حقوق الأمّة؛ إذ يكفي ما وصلت إليه الأمّة من الذل والخواء بسبب هذ الفكر العقيم، فيجب عليها التخلص منه، والمثابرة إلى ما فيه عزّتها وكرامتها.

ومن العجائب الأخرى التي تخّتص بالعلماء والمثقفين ومن في شاكلتهم، نرى في كل يوم يخرج لنا أحدهم فيُفسّر الآيات والأحاديث والمواقف بما ينسجم مع الآراء السياسيّة في بلده ويدعم تحقيق أهدافها وأهداف المسؤولين الذين لديهم تعاون وشراكة مع الأعداء، وبما يتناسبُ مع أهواءه الشخصيّة وأهواء أتباعه ومعتقداتهم البعيدة كلَّ البعد عن منهج الدّين الإسلامي، فنراهم في وسائل التواصل الاجتماعي ينطقون بألفاظ سيئة، ويتحدّثون بأحاديث ومواضيع يملؤها الكُره والبغضاء والحقد اتجاه إخوانهم القادة المسلمين، الذين يجاهدون في سبيل الله من أجل تحرير الأراضي المحتلة، ومن أجل إعلاء كلمة الله، وحفظ الأماكن المقدّسة من دنس اليهود وخبثهم. بل إنهم يُحاولون تشويش عقول الناس فيما يتعلق بفريضة الجهاد؛ فيُؤيّدون ويُرغّبون في عقد السلام مع العدوّ الصهيونيّ المحتل، وعدم إنكار ما يُمارِسونه من ظُلمٍ وتعدي على حقوق المسلمين في تلك البلاد، ويقومون بتحرض العامّة من المسلمين ضد العلماء والدعاة وغيرهم ممّن يدعون إلى الجهاد في سبيل الله بما يسطيع إلى ذلك سبيلا، وتتجرأ ألسنتهم بالسب والشّتم وإلقاء الإفتراءات الكاذبة ضد هؤلاء العلماء والدعاة وممن يغارون على حرمات الله ويهّتمون لأمر المسلمين، فيقولون إنّ هؤلاء هم سبب قتل الآلاف من المسلمين، وجعلهم يعيشون في مواطنهم مشرّدين ومعذّبين، مستندين بأدلة نبوية وآيات قرآنية في غير موضعها، ولكن حال هؤلاء ﴿أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضࣲۚ فَمَا جَزَاۤءُ مَن یَفۡعَلُ ذَ ٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡیࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یُرَدُّونَ إِلَىٰۤ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ﴿﴾ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُا۟ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡـَٔاخِرَةِۖ فَلَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ (البقرة: 85- 86).

ومن أعّجب العجائب، أن ترى هؤلاء المنتسبين إلى الإسلام، يفّرحون أشدّ الفرح لموت أحد قادة المسلمين المجاهدين في سبيل الله، بل يسخرون ويشمِتون فيهم ويضرِبون لهم الأمثال التي لا يرضى بها ربنا عزوجل ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول سماحة الشيخ أحمد الخليلي في هؤلاء: "إنّ هذه الشماتة بمسلم قضى نحبه بعد جهاد في ميدان الشرف، وقد أكرمه الله بالشهادة، فما وجه هذه الشماتة وهذه ميتة كم تمنّاها العقلاء لأنفسهم؟ ولكن الحرمان من العقول هو الذي يدفع إلى هذه السقطات. وما هي إلا خسّة الطباع ونذالة الأخلاق، فإنّه لا يسّخرُ من الشرفاء الذين يقضون نحّبهم شُهداء في ميدان الشرف بالجهاد في سبيل الله إلا النّذل، الذي حُرم من عقل يُبَصّره في التفكير ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾" (النور: 40).

فأيُ حالٍ وصل إليه هؤلاء البشر من المسلمين، حتى يتجرأون على الله وينطقون بهذه الأقوال والألفاظ في وقتٍ يحتاج المسلمون فيه إلى الاتحاد والتعاون والتّمسَك بحبل الله المتين ضد أعداء الله والمسلمين، ومن الذي جعل العدو المحتل يكتسب الشجاعة والجرأة على على عدوانه والتظاهر بالقوة أمام العالم؟ إلا هؤلاء المسملين الذين ركنوا إلى حب الدنيا وشهواتها، وأذلّوا أنفسهم فأذلَهم الله. وإنّ النصر بإذن الله قاب قوسين أو أدنى، فالعدو قد غرق في مستنقع الخسارة والهزيمة التي يتلقاها في كل حين من جبهات متعدّدة، مع كثرة عُدّته وعتاده، وقلة ما في يد المجاهدين، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة