سالم بن نجيم البادي
بعد التخرج في الجامعة نرى عند الشباب والشابات ذلك التوهُّج والفرح والأحلام العريضة والرغبة في الانطلاقة السريعة نحو الدخول إلى معترك الحياة بثقة وهمم عالية.
لكن "ليس كل ما يتمناه المرء يدركه"، فقد اصطدم الكثير من هؤلاء بواقع مرير عندما طال انتظارهم وتبددت تلك الأحلام الزاهية، ومرت السنوات العجاف وهم ينتظرون الوظيفة، ثم قيل لهم إن التوظيف يتم بالأولوية الأقدم فالأقدم، في انتطار التوظيف، فلا القدماء تم توظيفهم ولا من هم في طابور الانتظار. ولقد أصاب بعضهم الانطفاء بعد التوهج ولسان حال أغلبهم يقول "لقد هرمنا وأعمار نا تتراوح بين 25 سنة و30 وحتى 40 سنة"!
هذه مأساة يعيشها هؤلاء الباحثون عن عمل والجهات المختصة عاجزة عن انتشالهم من وضعهم الشائك، وهو وضع غريب وغير منطقي ولا مبرر له في دولة ليست فقيرة، فنجد لها العذر، ولا هي من الدول ذات الكثافة السكانية العالية، ولا يوجد بها انفجار سكاني هائل؛ بل إن بعض الإحصائيات تشير إلى انخفاض ملحوظ في عدد المواليد في سلطنة عُمان، ويعزى ذلك إلى البطء في التوظيف إضافة إلى أسباب أخرى جلها اقتصادي والعواقب السيئة التي أعقبت هذا الركود المخيف في التوظيف كثيرة جدا سبق ذكرها في مقالات كثيرة.
نتطرق في هذا المقال الى الجوانب النفسية التي يعاني منها الباحثون عن عمل ذكورًا وإناثًا، ولقد التقيتُ بالكثير من هؤلاء وجهًا لوجه أو عبر رسائلهم التي ترد اليَّ عبر حساباتي في وسائل التواصل الاجتماعي، ولست مُختصًا في علم النفس، لكن تلك المشاعر لا تحتاج إلى عالم في النفس ليكتشفها؛ فهي ظاهرة على الوجوه التي كانت ضاحكة مستبشرة بعد التخرج من رحلة العلم الطويلة والشاقة، لكن هذه الوجوه أضحت الآن شاحبة واليأس يلازمها، وقد أرهقها اللهاث وراء إعلانات الوظائف العجيبة، فحين يكون مطلوبا للوظيفة الواحدة 10 أشخاص يتقدم لها 10 آلاف باحث عن عمل، ويعود من لم يقبلوا ليُكرروا المحاولات مئات المرات، تخبو جمرة الأمل أحيانًا وتضيء أحيانًا أخرى، وهم واقعون في الحرج والاستجداء، خاصة إذا كانوا كبارًا في العمر. تخيل أن يكون عمرك 30 عامًا أو أكثر وتطلب من أهلك ريالًا لشراء رصيد لهاتفك لمتابعة إعلانات الوظائف، ولتلقِّي الردود الفاجعة برفض التوظيف، وريال آخر لشراء رصيد لهاتفك للغوص في أعماق العالم الوهمي هروبًا من الواقع المليء بالصعاب.
وتسجدي ريالًا لشراء دشداشة ونعال ووزار وغترة، أما أحلام شراء سيارة وبناء منزل والزواج والسفر وإكمال الدراسة العليا؛ فهذه أحلام بعيدة المنال، والتفكير فيها مؤلم. أما الشابات الباحثات عن عمل فيرغبن بشراء عباية عوضًا عن تلك العباية التي صارت باهتة، وكذلك حذاء جديد، وكندورة للأعياد والأعراس والمناسبات، وشراء المستلزمات الشخصية، مع الخجل وهن يطلبن المال من الأهل، وخاصة عندما تكون ظروفهم المالية صعبة.
أما أمنيات ملاحقة الموضة في الملابس والذهب والساعات والعطور وأدوات الزينة والمكياج وزيارة صالونات التجميل والمطاعم الراقية والسفر ورخصة القيادة وشراء سيارة خاصة؛ فتلك أمنيات مؤجلة.
ولا جديد في حياة هؤلاء الشباب والشابات، بينما الأيام تمر رتيبة ومملة وبطيئة وبلا طعم، والفراغ القاتل يتربص بهم، والحزن والاكتئاب واليأس والبكاء الداخلي المكتوم والمتواري خلف الأبواب المغلقة والوسواس والتفكير في أشياء قد تكون غير قانونية وغير أخلاقية لكسر هذا الجمود الخانق في الحياة.
ولا ندري لماذا يُترك هؤلاء هكذا وكأنهم ليسوا من أبناء هذا الوطن الحاني، ولمن يتركون ومن لهم؟ ولماذا لم يتم تنفيذ مقترح أن تشملهم مظلة الحماية الاجتماعية ويصرف لهم مبلغ مالي ولو كان زهيدًا إلى حين ميسرة؟ أليس هؤلاء أفرادًا في المجتمع الذي وُجدت منظومة الحماية الاجتماعية من أجلهم، إنهم في حاجة شديدة إلى الحماية والرعاية والاهتمام والاحتواء.
لماذا تركوا للاكتئاب والقلق والخوف والضياع والعوز وإراقة ماء وجوههم أمام الجهات المختصة وكل من يعتقدون أنه يمكن أن يمد لهم يد العون من وزراء وكبار الموظفين وأعضاء مجلس الشورى والتجار والمجلس البلدي والشيوخ والرشداء ورجالات المجتمع، وحتى الكُتَّاب في الصحف ومشاهير السوشال ميديا واللجوء إلى تسجيل مقاطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي؟!
كل ذلك وهُم غرقى في خضم بحر الحياة، وقد تكسرت مجادفيهم، وتمزقت أشرعتهم بعد أن خانتهم الرياح ونسيهم أو تناساهم المسؤول ومن حملوا أمانة خدمة الناس، كل الناس في هذا الوطن العزيز.
من يتحمل وزر هؤلاء؟ وهل لهم من مُنقِذ؟