المنظومة الرياضية وواقع الاندماج بين الأندية

 

 

أنور الخنجري

alkhanjarianwar@gmail.com

 

منذ عقدين من الزمن تقريبًا، تولّدت رؤية لدى الجهات المعنية بالمنظومة الرياضية في السلطنة لتقليل عدد الأندية الرياضية القائمة وخلق كيانات رياضية أكثر تماسكًا وقدرة على المنافسة في المسابقات المحلية والإقليمية، وبالتالي بدأت هذه الجهات في تحفيز الأندية الرياضية على الاندماج فيما بينها مقابل منح وإعانات مالية تساعدها على تكوين كيانات رياضية تلبي متطلبات تطوير القطاع الرياضي في تلك المرحلة، وقد نجحت هذه السياسة، إلى حد ما، في تحقيق بعض النتائج الخجولة للاندماج، وبرزت على الساحة أندية حديثة تعرف اليوم بأسماء جديدة منها أندية السلام والبشائر والنهضة وأهلي سداب وربما غيرها. هذه الأندية جاءت على حساب أندية عريقة قبلت التسليم بالأمر والاندماج مع غيرها من أندية، وهكذا، لم يعد لتلك الأندية القديمة اليوم وجود يذكر رغم مرور أكثر من ستين عاماً على إنشاء بعضها.

لا نعلم حقيقة ما إذا كانت هناك في الأساس دراسة مستفيضة قامت بها الجهات المعنية للخروج بهذا المقترح الداعي لتقليص عدد الأندية والآثار المترتبة عليه، خاصة في بلادنا مترامية الأطراف ومتعددة المحافظات والولايات التي لا تخلو فيها ولاية إلّا وبها نادٍ باسمها يمثلها ويحتضن أبناءها، وذلك شيء لا يدعو للقلق بل هو أمر إيجابي يشجع على التنافس الشريف بين الأندية/ الولايات في مختلف الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية، وهذا ما دعا وزارة الرياضة والثقافة والشباب مؤخرًا إلى إشهار عدد من الأندية الجديدة في عدد من الولايات التي لم تكن بها أندية في السابق.

وبناءً على واقع الاندماج الذي تحقق خلال تلك الفترة نستشف اليوم، بعد أكثر من 20 عامًا، أن سياسة الاندماج بين الأندية لم تكن إيجابية بالمعنى المطلوب؛ إذ استمرت التحديات والإشكاليات في هذه الأندية المندمجة لسنوات ليس بين أعضاء مجالس الإدارات فقط؛ بل شمل ذلك أيضًا أعضاء النادي؛ حيث ظلّت الانتماءات والولاءات القديمة سيدة الموقف؛ الأمر الذي أدى إلى تنافرات واستفزازات كبيرة بين الأعضاء والإدارة وبين الأعضاء أنفسهم، خاصة خلال اجتماعات الجمعية العمومية، وبالتالي أثّر ذلك على أداء الجميع وانحدر مستوى بعض هذه الأندية إلى مستويات متدنية، وتدهور وضعها المالي، ولم تعد لها موارد مالية تفي بالتزاماتها العديدة، وتراكمت عليها الديون، وبقيت أصولها تراوح مكانها دون استفادة مُثلى من استثمارها.

 وهكذا أصبحت هذه الأندية اليوم في وضع لا يحسد عليه بعد أن كانت وهي منفردة كيانات كبيرة لها وزنها التاريخي في تحقيق نتائج مشرفة ليس في عالم الرياضة فحسب؛ بل تعدتها إلى مجالات أرحب في فضاءات الأنشطة الثقافية والاجتماعية والخدمية، وكانت أيضاً روافد سقت المنتخبات الوطنية بأجيال كان يشار لها بالبنان في المحافل الإقليمية والدولية في مختلف الميادين الرياضية.

إن استمرار مثل هذا الوضع المحزن في الاندية المُندمِجة لا يُبشِّر بالخير على مستقبل هذه الأندية وعلى الرياضة في السلطنة بشكل عام.

والاندماج في حد ذاته أمر مُثرٍ وملموس، خاصةً مع الكيانات الاقتصادية الكبيرة التي تتمتع برصيد تراكمي كبير من الأصول المالية والتجارية، أمّا الاندماج في قطاع الأندية الرياضية في السلطنة المعتمدة بشكل أساسي على الدعم الحكومي، فهو أمر يحتاج إلى وقفة مراجعة، خاصة على ضوء النتائج غير المُشجِّعة في الجوانب التي تدخل ضمن أنشطة هذه الأندية مثل تكوين الفرق الرياضية، واستقطاب أجيال جديدة من الأعضاء واللاعبين وإدارة الاحتراف، وكذلك فيما يتعلق بإدارة أصولها المالية والاستثمارية والحد من ديونها المتراكمة وغيرها من الجوانب التي يجب أن ينظر إليها بنظرة مهنية اقتصادية شاملة.

الرياضة اليوم لم تعد هواية تُمارَس بين فرق محلية تتنافس فيما بينها لنيل كأس البطولة؛ بل أصبحت تجارة وصناعة ومصدر رزق للكثير من شعوب العالم. إنه عصر التخصص والاحتراف، عصر التحليق في فضاءات الاندماج العالمي ليس في لعبة بعينها ككرة القدم وحدها بل في كل الألعاب الفردية والجماعية والخدمات المرتبطة بها.

والرياضة لدينا ما زالت بعيدة عن هذا الفكر الاقتصادي والأندية هنا ما زالت تقليدية ينظر اليها مجتمعيًا كمرافق يرتادها الهواة لممارسة الالعاب المختلفة إن وُجِدَتْ، كما تُدير هذه الاندية مجالس إدارات تفتقر للنظرة الشمولية للاقتصاد الرياضي وينعكس ذلك بشكل كبير على طريقة إدارتها للموارد المالية وحجم ومصدر هذه الموارد، كما يُساهم البُعد الاحترافي للقائمين على هذه الأندية في عدم طمأنة المستثمرين المحتملين للاستثمار في الأصول الرياضية التي يرونها مجرد قطاع نافر للاستثمار ولا يفتح أية آفاق لتحقيق عائدات مضمونة.

لا شك أن الرياضة لها أهداف استراتيجية مهمة يلم بها المعنيون في هذا الجانب ولا نريد ان ندخل في تفاصيلها لكن الأهم هو أن نرى عاجلًا استراتيجيةً واضحة المعالم، شاملة الرؤى تأوي تحت مظلتها كل أطياف الشباب من الجنسين، هدفها تطوير الرياضة في السلطنة أسوةً بما هو قائم في العديد من دول العالم.

وإذا ما أردنا تطوير المنظومة الرياضية في بلادنا فإنه من المجدي جدًا الاستماع الى أعضاء الجمعيات العمومية الذين من أجلهم انشأت هذه الأندية وكذلك الاستعانة بالمختصين بالشأن الرياضي على مستوى العالم والاستفادة من خبراتهم في جدوى خصخصة القطاع الرياضي في السلطنة. ويشمل ذلك بالطبع جدوى تحويل الأندية إلى شركات استثمارية لها أنظمتها الادارية والاقتصادية المعمول بها، فيما يتعلق بإدارة الأصول والموارد والديون والاحتراف والتشغيل، واللعب من أجل أهداف أسمى تتمثل أولًا في رفد المنتخبات الوطنية بالكوادر العمانية المؤهلة لرفع اسم السلطنة عاليًا في فضاءات المحافل الدولية.

إنَّنا نأمل أن تَكون مخرجات هذه الكيانات الجديدة جيلًا واعيًا بالمسؤولية الوطنية، ملتزمًا بمبادئ الكرامة والاحترام والانتماء، بكل ما يشمله ذلك من لاعبين رياضيين ومدربين ومسؤولين، وكذلك المتفرجين وروابط المُشجِّعين وجمهور المُناصرين.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة