تقرير "جهاز الرقابة".. الشفافية والتنمية

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

حَمَلَ تقرير جهاز الرقابة الإدارية والمالية للدولة "ملخص المجتمع لعام 2023" الذي نُشر الأسبوع الماضي، الكثيرَ من التقارير الرقابية وعمليات التدقيق التي أجراها الجهاز على عدد من الوحدات والشركات الحكومية للعام 2023، وقد أحدثت هذه التفاصيل ردودَ فعل إيجابية جدًا في المجتمع، وإشادة واسعة بعمل الجهاز الذي ينطلق من محددات ومستهدفات رؤية "عُمان 2040" التي وضعت هدفًا استراتيجيًا ضمن أولوية التشريع والقضاء والرقابة وهو "نظام رقابي فاعل ومستقل يوظف الشفافية والإفصاح ويكافح الفساد ودور رقابي بصير وفاعل للإعلام".

ويُعد هذا الهدف الاستراتيجي مُهماً جدًا للدفع بمسيرة التنمية وتعزيز فرص نجاح الإصلاح الاقتصادي والإداري الذي تنتهجه الحكومة الرشيدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- خاصة أنه منذ تولي جلالته الحكم، جعل من الرقابة والنزاهة ومكافحة الفساد منهجيةَ عمل واضحة لأداء الجهاز الإداري للدولة، مشددًا في أكثر من مناسبة على هذا المبدأ وذلك إيمانًا منه بأهمية الرقابة لتمكين الخطط التنموية من التنفيذ ودورها في تعزيز قدرة سلطنة عُمان على جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث يعزز نظام النزاهة ومكافحة الفساد فرص الاستثمار ويساعد في ترسيخ السمعة الطيبة للدولة.

وفي إطار رؤية "عُمان 2040"، فقد حققت سلطنة عُمان تقدمًا واضحًا على مقياس مُدركات الفساد، فبعد أن جاءت في المركز 68 من بين 170 دولة في العام 2017 وهذا الترتيب يعد متأخرًا في دولة تتمتع ببنية تشريعية رصينة ووجود سلطة رقابية مستقلة ومُمكَّنة من خلال عدد من الأجهزة، وضعت الرؤية الوطنية "عُمان 2040" هدفًا للوصول لأن تكون السلطنة ضمن أفضل 30 دولة بحلول العام 2030، وضمن أفضل 20 دولة بحلول العام 2040 في عنصر مُدركات الفساد، وهذا يتطلب العمل بشكل جدي على تحسين المنظومة التشريعية والرقابية وتمكينها وفق منهجية واضحة.

الأمر الملفت للنظر في "ملخص المجتمع" هذا العام هو ما احتواه من دقة في طرح النتائج والإجراءات التي اتخذها الجهاز في كل فحص تمَّ إجراؤه، كما إن التوجيهات التي أصدرها جلالة السلطان المعظم- أعزه الله- بشأن مراجعة عدد من المواضيع، تُشير بشكل واضح إلى أن عمليات الرقابة والتدقيق التي أُجريت كشفت عن ضعف في التعامل مع تلك الحالات من قبل الوحدات المعنية، وأن عليها أن تُسرِّع من إجراءات المُعالجة، وهذه الملفات مُهمة جدًا. فمثلًا ملف مؤشرات التوطين وتجاوزات الشركات، من شأن معالجتها أن يساهم في إيجاد حلول لعديد من المشاكل التي تواجه الحكومة مثل ملف الباحثين عن عمل وملف التنويع الاقتصادي.

وبما أننا انتهجنا الشفافية وإشراك المجتمع، يجب أن نهتم بنشر التوعية والتثقيف حول مفاهيم وآليات الرقابة والتدقيق المالي والإداري للمؤسسات؛ فهذا أمر بالغ الأهمية حتى لا تكون هذه العملية مصدرًا لإثارة الرأي العام وتوجيه الرأي العام إلى فكرة مختلفة عن الهدف الأساسي من الشراكة، وحتى لا يتم استغلال البيانات لتمرير فكرة أن مؤسساتنا تعاني من فساد إداري ومالي يُفقِد المجتمع الثقة فيها ويُصوِّر للخارج أن منظومة العدالة غائبة في دولتنا، وهو غير صحيح على الإطلاق.

اشتمل التقرير على عدد من الحالات التي تنوَّعت بين حالات تم اتخاذ إجراءات ضدها عن طريق إحالتها للجهات القضائية لمباشرة التحقيق فيها واستكمال مسارها القانوني، وبين حالات استدعت توجيه الجهات التي اكتشفت فيها لتعديل أوضاعها بما يتماشى مع النظم والقوانين، وحالات أخرى تم التوجيه فيها باتخاذ الإجراءات اللازمة من استردادات مالية أو عينية، وهذا ما نصَّ عليه قانون الرقابة المالية ولائحته التنفيذية، وهناك كثير من المفاهيم الواجب توضيحها للرأي العام حتى لا تحدث لغطاً بينهم، كما أن على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تحري الدقة في نشر التقارير الخاصة بعمليات التدقيق والرقابة وتوضيح الحقائق والمعلومات بما لايخالف القانون.

بقي أن نشير إلى أهمية دور الفرد في الرقابة على مكتسبات الدولة؛ إذ إنَّ إشراك المجتمع في معرفة الواقع الحالي ينطلق من بعدين مُهمين؛ أولهما: الممارسة السياسية الديمقراطية التي تؤمن بحقوق المواطن التي نصت عليها القوانين، وثانيهما: المواطنة الصالحة التي تستوجب على كل مواطن ممارسة دور رقابي يتمثل في معاونة السلطة، من خلال تقديم جهده في المتابعة والرصد والإبلاغ عن حالات هدر المال العام وتجاوز القوانين والتشريعات وتغليب المصالح الشخصية على المصالح العامة من قبل أي مسؤول أو جهة.

تعليق عبر الفيس بوك