الإعلام وكفتا الميزان

 

محمد بن عيسى البلوشي

في خضم الأحداث المتسارعة والمتغيرات الجارفة التي يعيشها عالم اليوم، يبرز أمامنا مشهد يتأرجح بين الجدية واللامسؤولية، بين القضايا الكبرى التي تهم مصير الشعوب ومستقبل أوطانها، والقضايا الثانوية التي لا تلامس الواقع بقدر ما تثير الضحك والسخرية والهرج والمرج.

وبينما نمر بجولاتنا الإعلامية عبر القنوات العربية المختلفة، نجد أنفسنا أحيانًا أمام مشهدٍ مؤسف؛ حيث يتحول موضوع هامشي مثل أصل اللوز (البيذام) وما إذا كان من الفواكه أو الخضراوات إلى محور حديث ونقاش مُكثف بين المستمعين لتلك البرامج، وكأنَّ هذا الموضوع يمثل جوهر الهم العربي وحقيقة تطلعات الأمة.

إنَّ هذا الإفلاس في بعض وسائلنا الإعلامية العربية يعكس أزمة أعمق، أزمة في المحتوى وأزمة في المسؤولية، حيث بات من السهل على بعض المشتغلين ملء الفراغ بموضوعات لا تحمل أي قيمة حقيقية، فقط لأنها قد تثير اهتمام الجمهور بشكل عابر أو تحقق تفاعلًا على منصات التواصل الاجتماعي. إن مثل هذه القضايا السطحية تساهم في إبعاد الإعلام العربي عن دوره الحقيقي الذي يجب أن يكون عليه في صناعة الفكر وإثراء النقاش وتقديم ما يخدم الإنسان العربي وينمي عقله ويثري ثقافته.

لا يقتصر الأمر على البرامج؛ بل يمتد إلى ما يُعرض على شاشاتنا العربية من مسلسلات وأفلام بعيدة كل البعد عن واقعنا وثقافتنا، تروج لمظاهر سطحية وكلمات بذيئة وصور غير لائقة، وكأن الإعلام قرر أن يعكس صورة مشوهة عن أنفسنا. هذا ليس الإعلام الذي نطمح إليه، وليست الرسالة التي يجب أن تصل إلى المواطن العربي الذي يتوق إلى تنمية فكرة والاستقرار الاجتماعي في ظل وطن دافء.

إن النقاش حول "اللوز" وما إذا كانت من الفواكه أو الخضراوات ليس سوى تجسيد لحالة من الهروب من الواقع، ومن القضايا الحقيقية التي يجب أن يتناولها الإعلام العربي، في مسعى لتنمية الفكر الإنساني وتعزز المواطنة.

إن المسؤولين عن الإعلام في عالمنا العربي مطالبون اليوم بإعادة النظر في سياساتهم الإعلامية، والعمل على حوكمة الأنشطة الإعلامية بمهنية عالية، وخصوصا في مجال الإعلام الإلكتروني، بحيث يتم التركيز على المحتوى الذي يخدم المواطن ويعزز وعيه وارتباطه بوطنه ومجتمعة، وأيضًا من التكامل العربي الذي تنشده الشعوب بكل محبة وتقدير.

التغيرات الكبرى التي يشهدها العالم في مجال الإعلام يجب أن تدفعنا نحو نهضة إعلامية متجددة، تقوم على أساس المحافظة على العقول العربية وتوجيهها نحو رفعة وتطور أوطانها. هذه النهضة لن تتحقق إلا بتحمل الجهات المختصة لمسؤولياتها في تمكين الرسالة الإعلامية الهادفة، رسالة تقوم على القيم والمبادئ التي تُعلي من شأن الإنسان وتدفعه نحو تقدم وازدهار وطنة ومجتمعة، وتعزز من نتاج التعاون العربي.

في الختام، علينا أن نتذكر أن الإعلام ليس مجرد أداة للتسلية أو تمرير الوقت، بل هو سلاح ذو حدين، يمكنه أن يبني أو يهدم، يمكنه أن يرتقي بالشعوب أو يغرقها في أمور لا فائدة منها. إن الرسالة الإعلامية الحقيقية هي تلك التي تلامس الواقع وتثري الفكر الإنساني، تتناول المواضيع التي تنمي الإنسان، وتساهم في بناء مستقبل أفضل لهم ولأوطانهم.