مفتاح القوة.. الحكمة والهِمّة والعزيمة

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

 

لو أنك شاهدت ساحة من ساحات الحرب الدائرة جراء العدوان الصهيوني الغاشم في الشرق الأوسط، فكأنما رأيت الحروب جميعًا، التي خاضتها الأمة مع عدوها، وستأخذك مسيرة الدفن الجماعي لضحايا ما تخلفه غارات العدو الهمجي، التي قتلت من قتلت من الأطفال والنساء والعجزة، وأصابت ما أصابت، كلها تتشابه في غزة أو لبنان، لا فرق في الإبادة.

وحدة ساحات المقاومة باعتبارها أثرًا على موازين القوى، دفعت بالكيان اللقيط إلى حافة الوجود، ضرباتها أرغمت أكثر من مليوني مستوطن صهيوني على الدخول إلى الملاجئ، وأصبح الكيان كله مملوءً بالدهشة، بما أحدثه رد المقاومة، سواء بالصاروخ الفرط صوتي القادم من اليمن، أو المسيرات الانقضاضية من لبنان أو تلك المرسلة من العراق أم بالرد الإيراني (وعد الحق "1'2")، إلى جانب البطولات التي يسطرها الفلسطينيون في الداخل المحتل ... ما الذي دفع بوحدة الساحات مجتمعة لاختيار الحكمة والتحكم والتدرج في دخولها، بما تملك من أسلحة في جبهة المساندة للشعب الفلسطيني، وجعل الكيان اللقيط على محك الأخطار المحدقة به؟، ثم هل حققت وحدة الساحات الغاية في رسالتها للعدو الغاشم؟، وأبرزت ما جاء في قول الله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُون"َ (الأنفال:60).

جاءت هبّة وحدة ساحات المقاومة نصرةً للمستضعفين في غزة، فزحفت الصواريخ البالستية الفرط صوتية إلى قلب الكيان اللقيط، ولا تزال الساحات في لبنان، اليمن والعراق تخبئ مفاجآت أخرى عظيمة تُعيد الهمة والعزيمة إلى جسد الأمة.. لقد استكانت الشعوب لعقود من الزمن لغطرسة كيان لقيط زرع بينها مرغمة، بالأمس القريب انتابت المنطقة نوبات من الصحوات إثر ترددات لمناعة ضعيفة فيها.. اليوم تهب رياح المقاومة من داخل فلسطين، ومن اليمن، ولبنان، والعراق تثبيتا واحتراما وتقديرا لقوة ايمانها بأنها خير أمة أخرجت للناس.. كل خطوة تخطوها المقاومة من خطوات إلى الأمام في الاعداد للمواجهة، كان السبب فيها الهمة والعزيمة، والإيمان بالله عز وجل، الذي يجري مجرى الدم في عروق كل مقاوم، ويصحح مسارهم.. كلما زادت قوة اي جزء من أجزاء ساحة المقاومة، تنفست بقية الأجزاء عزيمة وثبات، والأمة هدوءً وسلامًا.. واجهت ساحة المقاومة الأزمات والشدائد من قبل المعاندين، وبفضل أولئك الذين حملوا العزائم القوية الصادقة تغيرت المعادلة، أرهبت العدو بما تملك من الإيمان والعزيمة والسلاح.

الأمة تعاني اليوم أزمات خطيرة، وتمر بظروف عصيبة، وتقف أمام تحديات وأحداث عظيمة، لابد من إعداد العدة من جميع الوجوه حتى نستغني بما لدينا عما عند أعدائنا.. لقد تكاثرت وتكالبت الأعداء من الداخل والخارج، وتتابعت النكبات والمآسي.. حينما نلتفت حولنا نجد أنفسنا محدقين بخطر داهم، وشرق أوسط جديد يعد به رأس الكيان اللقيط.. لكن بجانب آخر نرى رجالًا إلى جانب إيمانهم وثبات عزيمتهم، أعدّوا عدة تمكنهم من مجابهة العدو بها، ليولد شعاع الأمل للمستقبل اللامع.

إنَّ الإيمان وامتلاك الإمكانات المادية قطبي مغناطيسية الحياة، تنتشر خطوطهما من طرف إلى آخر في تعاقب بناء قوة تتكاثف الخطوط في جهة معلنة قطب العدل، يقابله تكاثف آخر يمثل الظلم.. تلك هي فلسفة الحياة وسر دوامها، تتمثل في صراع بين قوى ضعيفة وضعت بين قوى شريرة متوحشة، وبذلك استحقت لضعفها المساعدة فجاء وجوب التمسك بالمد الإيماني، قال تعالى "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (آل عمران: 103)".

وبعد تحديد الأقطاب والمسارات لخارطة حياة الأمة صار لزامًا ان تحدد الحاجة إلى التجسيد العملي، المتمثل في محاربة المناهج التي لا تتقبلها فطرة الإنسان، والتي تبنى أساسها على الجبروت والطغيان والظلم.. في ظل هذا التعاقب، ولدت القوة المادية لدى ساحات المقاومة، ليبدأ أو بالأحرى يستمر الصراع بين حق استلب منذ 76 عاما، وقوى شريرة مغتصبه.. ظهرت الصناعات الحربية لكل جبهات المقاومة غريبة في عالم مهيمن، اختار للمستضعفين زاوية يتحكم بهم منها، وزرع مخلب له بينهم، يرمي فتات ما يحتاجونه..

هنا جاء دور الحكمة والهمة والعزيمة من أجل تحقيق اليقين، والقول للأمة اعتصمي، فأنتِ صاحبة الأرض، وإيقاظها من سبات الوهن والخنوع، لفرض معادلة جديدة للمواجهة مع العدو من المسافة 2040 كيلومترًا، وجعل العالم ينظر وينتظر، فما كان للكيان اللقيط وأعوانه يصدقوا ان اليمن وإيران سترد على الغطرسة الصهيونية، فعلت سرديته البالية الواهية، بهدف كي وعي الأمة، فقال: ان يران هي من زودت الحوثيين بالصاروخ، في مشهد يظهر خرافة وزيف قوته، وهو الكيان سلاحه الذي يرتكب به جرائمه البشعة، والإبادة الجماعية في غزة ولبنان من الغرب وأمريكا.

كانت قد استكانت الأمة، واستسلمت لخريطة المستعمر، وأغمضت أعينها للواقع الذي رسمه لها لعقود من الزمن، تمادى مخلب هذا المستعمر الذي زرعه في جسدها، وأوغل في جرائمه وجشعة، وأراد أن يتحكم في تفاصيل التفاصيل من حياة الشعوب، مستعملًا ألاعيب سحره للفرقة كي يسود.. المرحلة تاريخية، والمعادلة تغيرت بدأت المقاومة من المسافة صفر، واليوم توسعت الساحة وتم تثبيت المسافة من أقصى الأطراف، مهما عَوَا الكيان اللقيط وكشّر عن أنيابه ومد أذرعه؛ فالنصر يقين هذه الأمة.

تعليق عبر الفيس بوك