العدو الصهيوني.. ما بين الاحتلال والإخضاع

 

عبد النبي العكري

مع دخول حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني عامها الثاني، ومرور الذكرى السنوية الأولى لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، يبدو أنَّ العدو الصهيوني ماضٍ في استراتيجيته بالسعي نحو كسر إرادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية وردع حلفائها في إيران وسوريا والعراق واليمن، وفي ذات الوقت تخويف الآخرين من مصير مُماثل، والعمل على إخضاع الدول العربية وجوارها في تحالف مشين مع الغرب بقيادة أمريكا.

لقد تجاوزت الحرب الصهيونية فلسطين لتشمل حتى الآن لبنان وإيران واليمن وسوريا، وقد تمتد إلى بلدان أخرى!

وخلافًا لحروب إسرائيل الخاطفة، فإن امتداد الحرب الإسرائيلية وتوسعها طرح مجددا المشروع الصهيوني الإسرائيلي في المنطقة العربية وجوارها ومدى تطابقه مع المشروع الأميركي الغربي للمنطقة العربية وجوارها أو ما يطلق عليه الشرق الأوسط الكبير.

العقيدة الصهيونية والاستراتيجية الإسرائيلية

يلاحظ أنه بموازاة العمليات العسكرية الإسرائيلية فقد رافقتها عملية ترويج للفكر الصهيوني الاستيطاني التوسعي استنادا إلى التوراة والتلمود. يلاحظ في الخطاب الموجه من قبل القادة الإسرائيليين والصهاينة وحاخاماتهم وأكاديميهم والمستوطنين والمواطنين العاديين، استنادهم إلى ما جاء في التوراة والتلمود وما تفرع منها من تنظيرات لحاخامات ومفكري الحركة الصهيونية. ومن المهم معرفة أن جيش الدفاع الإسرائيلي هو جيش عقائدي يهودي صهيوني يقاتل لتحقيق الحلم الصهيوني لإقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل كما يرمز لذلك علم إسرائيل. وللجيش الإسرائيلي حاخام أكبر وفي كل تشكيلة عسكرية هناك حاخام لتعبئة أفراد التشكيلة العسكرية بالتعاليم اليهودية المتطرفة.

يقوم صُلب العقيدة اليهودية المتطرفة على أن اليهود شعب الله المختار من دون بقية العالم. ولذا فإن طبيعتهم سامية في حين أن طبيعة باقي البشر متدنية. وحسب ما جاء في التوراة المفبركة وليس صحف النبي موسى والنبي إبراهيم فان الإسرائيليين قد أقاموا دولتهم في عصر الملك سليمان قبل ثلاثة آلاف سنة. وأنهم خاضوا حروبا ضد أعدائهم حينها والذين يطلقون عليهم العماليق (الكنعانيين). وحسب عقيدتهم المستمدة من التوراة فإنه يتوجب إباده خصومهم حينها العماليق (الفلسطينيين والعرب الآن)؛ حيث يتوجب قتل الرجال والأطفال وحتى الأجنة ببقر بطون أمهاتهم وسبي النساء وهو ما مارسوه في حروبهم ضد الفلسطينيين والعرب من 1947 حتى الآن. وهكذا فإن الإسرائيليين الصهاينة، يقاتلون لاستعادة دولة إسرائيل كما يتخيلون أنها كانت في زمن الملك سليمان؛ أي من النيل إلى الفرات، ومن أنطاكية إلى المدينة المنورة. وقد كرر نتنياهو ذلك في خطابه أمام الأمم المتحدة الأخير مستشهدًا بالتوراة وإنجيل صموائيل القديم أن دولة إسرائيل باقية إلى الأبد، ووصف الوجود العربي والكنعاني في فلسطين بأنهم غزاة وطارئون.

بالطبع هذا كلام كاذب لكن خطورته تكمن في طرحه أمام الأمم المتحدة القائمة على تمثيل الشعوب وليس إلغائها كما تفعل إسرائيل مع الشعب الفلسطيني.

في اليوم الأول لطوفان الأقصى وبعد الضربة المؤلمة للمقاومة الفلسطينية للكيان الصهيوني في 7 أكتوبر 2023، عقد وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال يوفي جالانت مؤتمرا صحفيا أعلن فيه حصارا شاملا على قطاع غزة من اليوم وطالعاً لن يصل إلى قطاع غزة طعام أو ماء أو دواء أو كهرباء إنهم حيوانات بشرية. هذا هو جوهر العقيدة الصهيونية لإسرائيل؛ أي اعتبار خصومهم ومن يقاوم مشروعهم الاستيطاني التوسعي حيوانات لا تستحق الحياة أو الرحمة؛ بل إن بعضهم يعتبرونهم أدنى من الحيوانات على حد تعبير البرفيسور كيدار في مقابلة مشهورة مع الجزيرة.

وإذا كان قتل الرجال باعتبارهم مقاتلين، فإن قتل الأطفال يبرر باعتبار هؤلاء الأطفال سيكبرون ويصبحون مقاتلين حسب ما قاله أحد الحاخامات. أما المبرر الإسرائيلي لقتل المدنيين دون تمييز فهو لأنهم يحتضنون المقاتلين كما إنهم مصدر تطوع المقاتلين.

من هنا.. فإنَّ مراجعة سجل الإسرائيليين منذ حربهم لاغتصاب فلسطين في 1947 وحتى اليوم وعبر حروبهم على الفلسطينيين والعرب ومناصري العرب، فإنهم لم يترددوا في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تطبيقا لهذا المعتقد.كما يتجلى ذلك في ممارسة أبشع الجرائم بحق الأسرى والمعتقلين.

وفي الحرب الأخيرة قام الإسرائيليون باعتقال ما يزيد عن 10 آلاف من الفلسطينيين، إضافة لخمسة آلاف سابقين في سجونهم ومعسكراتهم ويمارسون ضدهم أبشع صنوف العذيب مما أدى إلى استشهاد المئات ويشمل ذلك اغتصاب النساء والرجال وهو موثق من قبل الإسرائيليين أنفسهم.

لكن الملفت للانتباه أنَّ قيادات دينية وسياسية إسرائيلية بررت التعذيب والاغتصاب باعتبار ذلك جائزاً لحماية أرواح يهودية. كما يتم انتزاع أعضاء بشرية من الأسرى والشهداء. وحتى الآن لم يتم محاكمة أي إسرائيلي مارس الاغتيال والقتل خارج القانون أو الاشتباك أو ممارسة التعذيب فهي عقيدة وممارسة إسرائيلية بامتياز.

أما الوجه الآخر لهذه العقيدة؛ فهو ما يعرف بأرض إسرائيل التاريخية وهي تضم إلى جانب فلسطين المحتلة، بلدان وأجزاء من بلدان عربية؛ حيث لاحدود رسمية لدولة إسرائيل وهي مصممة على احتلالها تبعاً لإستراتيجية على مراحل حسب ما تسفر عنه حروبها المتواترة.

خلال حرب الإبادة هذه، قاد رئيس الوزراء نتنياهو- والحاخام الأكبر للسفارديم يتسحاق بن يوسف وحاخام الجيش الإسرائيلي الجنرال آيال كريم وتبعتهم نخب وقيادات المجتمع الإسرائيلي واليهودي الصهيوني حول العالم- السياسية والدينية والأكاديمية والمجتمعية وغيرها، في الترويج لسمو إسرائيل والإسرائيليين وبالتالي استثنائهم مما تعارفت علية البشرية من قيم ومفاهيم وقواعد وقوانين انسائية.بل ودعمهم بكل الوسائل لتحقيق رؤيتهم ولو تطلب الامر الإبادة الجماعية.

كذلك الإيمان بحق اليهود في العالم بغض النظر عن جنسياتهم وقومياتهم وأصولهم في إقامة دولة إسرائيل واستيطانها ومواطنتها، على حساب مواطنيها الأصليين الفلسطينيين وبدون حدود وقابلة للتوسع لاستيعاب المزيد من اليهود المهاجرين، خلافاً للقانون الدولي بحق الشعوب القائمة في إقامة دولها على ترابها الوطني ضمن حدود معترف بها دولياً بموجب حق تقرير المصير ومنها الشعب الفلسطيني.

هناك من غير اليهود من يؤمن بالصهيونية مثل الرئيس الأمريكي جو بايدن ومثل اتباع الكنيسة الإنجيلية وغيرهم من أتباع ديانات وقوميات أخرى، ومن هنا التحاق المرتزقة المتطوعين من مختلف البلدان للقتال ضمن صفوف الجيش الإسرائيلي بمن فيهم عرب من فلسطين..وبالمقابل فإن من يعارض العقيدة الصهيونية وحروب إسرائيل واستراتيجيتها التوسعية الاستيطانية ويناصر الحق الفلسطيني والعربي.فإنه يوصم بمعاداة السامية؛ بل إن معاداة الصهيونية كأيدلوجية عنصرية متطرفة يعتبر معاداة للسامية قانونياً وممارسة. وبالمقابل فإن من يناصر الحق الفلسطيني والعربي يعتبر إرهابيا وخطرا على المجتمع في عدد من الدول الغربية؟

وتمثلت المرحلة الأولى من المشروع الصهيوني بإقامة دولة إسرائيل على كامل فلسطين وضم بعض الأراضي العربية اللبنانية والسورية إثر حرب 1967. أما المرحلة الثانية فجاءت بعد توقيع اتفاقيات التطبيع والاستسلام الفعلي للمشروع الصهيوني مع كل من مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطيني. هذا المشروع الذي نظَّر له وفصله رئيس إسرائيل الأسبق ومن ابرز قادتها التاريخيين شيمون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد"، والذي سيقام على تزاوج التكنولوجيا الإسرائيلية ورأس المال الخليجي وعمالة بلدان الشرق الأوسط وبدعم غربي لإقامة شرق أوسط جديد ومزدهر اقتصاديا ومستقر سياسيا. وقد أضاف له العديد من السياسيين والمفكرين الإسرائيليين والغربيين ومنهم كونداليسا رايس، مستشاره ووزيره خارجية أمريكا السابقة ما يعرف بالفوضى الخلاقة لخلق شرق أوسط جديد.     

يعتبر بنيامين نتنياهو أطول رؤساء الوزراء بقاءا في الحكم واكثرهم صهيونية ويمينية.وقد عبر عن رؤيته لطبيعة ودور إسرائيل في المنطقة العربية وجوارها أو مايعرف بالشرق الأوسط من خلال كتبه وأشهرها مكان بين الأمم وبالطبع استراتيجيات وسياسات حزب الليكود الذي يقوده والحكومات المتعاقبة التي يرأسها منذ 2009 وتصريحاته. ويشارك نتنياهو في هذه الرؤية الجسم الأكبر من الإسرائيليين ونخبهم الحزبية والسياسية والفكرية المتعاظمة بدعمها للتوسع والهيمنة الإسرائيلية من اهم مرتكزات رؤية نتنياهو هو يهودية دولة أسرائيل أي التطهير العرقي الكامل لكل الفلسطينيين بتهجيرهم خارج فلسطين وتحويل ما تبقى منهم الى مقيمين بدرجة دونية جدا في خدمة اليهود.اضافة لذلك فانه لا حدود لتوسع إسرائيل في محيطها العربي، حسب ما تسفر عنه الحروب الإسرائيلية واخرها الحرب الحالية اثر طوفان الأقصى.

وكما جاء في كلمة نتنياهو في الأمم المتحدة في 28 سبتمبر 2024 في خضم هذه الحرب فانه يجري تشكيل شرق أوسط جديد. واستعرض نتنياهو الإنجازات على هذا الطريق ومنها اتفاقيات التطبيع الاولى واتفاقيات التطبيع اللاحقة بموجب اتفاق ابراهام وتوسعها، وتعزز محور الخير بقيادة إسرائيل وبمشاركه أميركية وغربية وتراجع ما سمّاه نتنياهو "محور الشر" بقيادة ايران.

وفي الوقت الذي كان فيه نتنياهو يعرض اطروحاته وإنجازات إسرائيل كانت الطائرات العسكرية الإسرائيلية تدك الضاحية الجنوبية لبيروت وتغتال الشهيد السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ورفاقه، ضمن حرب ابادة لا سابق لها في الحروب المعاصرة كامتداد لحرب الإبادة في فلسطين وخصوصا غزه واغتيالات لقيادات المقاومة ومناصريها وهجمات في بلدان محور المقاومة مثل ايران وسوريا واليمن.

تقوم استراتيجية الشرق الأوسط الجديد الإسرائيلية المتقاطعة مع المشروع الأميركي الغربي للشرق الأوسط، على ان تكون إسرائيل القوه الإقليمية العظمى والشريكة للغرب، في السيطرة على الوطن العربي وجواره اقتصاديا وسياسيا مع تفوقها العسكري.

لقد وصل الوضع المتردي العربي والإسلامي أن تعرض 57 دولة عربية وإسلامية خلال قمة الأمم المتحدة الحالية على إسرائيل استعدادهم للاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات شاملة معها مقابل قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967. لكن إسرائيل رفضت ذلك لأنها تعتبر كل فلسطين ملكًا لإسرائيل، وهي مستمرة في توسيع الحرب لتشمل ايران وتجر أمريكا والغرب الى جانبها.

نجاح هذا المشروع ليس قدرًا، لكنه يتطلب تحولًا جذريًا في النظام الدولي ويبدأ بتحول جذري في مواقف الدول العربية تبدأ بإلغاء التطبيع وتفعيل المقاطعة ضد إسرائيل ودعم المقاومة فعلا وفك التبعية لأمريكا والغرب.

إن الانتصارات التي تباهى بها نتنياهو وعلى أساسها طرح مشروع الشرق الأوسط الجديد بقيادة إسرائيلية، قد تعرض لهزه قوية بتصدي المقاومة اللبنانية للقوات الإسرائيلية المتقدمة لاحتلال جنوب لبنان والضربة الجوية الإيرانية الناجحة لإسرائيل ردًا على عمليات الاغتيال بحق قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية الى جانب قيادات إيرانية في إيران ودول محور المقاومة. لكن ذلك لا يعني تخلي إسرائيل وأمريكا والغرب عن مشروعهم، لكن المطلوب المواجهة ضد المشروع وعدم الاستسلام له وكأنه قدر محتوم!!

الأكثر قراءة