حاتم الطائي
◄ العدوان على لبنان يستهدف جرَّ المنطقة لحرب كبرى
◄ 4 أهداف للإجرام الإسرائيلي.. أبرزها إبادة الشعب الفلسطيني
◄ إسرائيل خطر حقيقي على البشرية ينبغي التصدي له
لا يُمكن لعاقل أن يُنكر أنَّ الإجرام الإسرائيلي يسعى حثيثًا لإشعال الشرق الأوسط وجرّ الأطراف الفاعلة على الأرض إلى حرب إقليمية كبرى؛ حيث تعتقد أنها قادرة على القضاء على خصومها، وتحديدًا حركات المُقاومة الوطنية في لبنان وفلسطين واليمن، وكذلك إيران، مدعومة في ذلك بحماية منقطعة النظير وتأييد أمريكي لا محدود.
وما جرى في لبنان خلال الأيام القليلة الماضية، ليس سوى حلقة من حلقات الاستفزاز الإسرائيلي لقوى المقاومة، إضافة إلى الجرائم الشنيعة التي ترتكبها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي. هذا الإرهاب الإسرائيلي بات أكثر وضوحًا للغرب، لكن من المؤسف أنَّ الولايات المتحدة ما تزال عمياء عن هذا الإرهاب، أو بالأحرى تتعامى عنه! والسر مفهوم هُنا، إنها آلاعيب الانتخابات الأمريكية؛ فالحزب الديمقراطي- ورغم ما يدعيه من مبادئ ليبرالية وغيرها- لا يُريد أبدًا الصدام مع اللوبي اليهودي القابع في واشنطن لتقديم كل الدعم والمؤازرة للمجرم بنيامين نتنياهو في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على قطاع غزة، وعدوانه الاستفزازي في لبنان. أصوات وأموال اليهود في الولايات المُتحدة مؤثرة للغاية وفاعلة في تحديد مدى نجاح أو خسارة المرشح لحُكم البيت الأبيض.
الحزب الديمقراطي وبعد انسحاب مرشحه العجوز الرئيس الحالي جو بايدن بسبب فشله الذريع في أوَّل مناظرة رئاسية وبسبب حالته الصحية المتدهورة، يسعى الحزب إلى تقديم كل الدعم إلى مرشحته كامالا هاريس، ومن ثم الاستمرار في الحكم، لذلك لن تتخذ الإدارة الديمقراطية الحالية أية قرارات تُنهي هذه المأساة التاريخية، ولن يُعارض الإجرام الإسرائيلي حتى لو أُبيد سكان غزة عن بكرة أبيهم، فالأهم انتخابات الرئاسة. ويكفي أن نجد رئيس أكبر دولة في العالم يُردد أكاذيب الإعلام الصهيوني منذ اللحظة الأولى للحرب، ويكفي أيضًا أن نجد نتنياهو أقوى في التأثير على القرار الأمريكي من بايدن نفسه. هذه الحالة العبثية واللامعقولة تعزز إيماننا بأنَّ الجرائم الصهيونية الشنيعة بحق الشعب الفلسطيني وكذلك الشعب اللبناني، مدعومة بصورة كاملة وبرضا تام من الإدارة الأمريكية، التي ما تزال تُزوِّد إسرائيل بالسلاح والمال، بمليارات الدولارات، دون الاكتراث لحجم الخسائر البشرية والإصابات والإعاقات، ولا بالتأكيد لحجم الأضرار المادية؛ حيث إنَّ قطاع غزة بالكامل مُدمَّرٌ ولم يعد صالحًا للعيش في ظل الوضع الحالي.
أما فيما يتعلق بالوضع الإنساني على الأرض في القطاع، والمجاعة التي تفتك ببطون السكان، والأمراض التي تنهش أجساد الصغار قبل الكبار، وعوامل الطقس القاسية التي تلفح أجسادهم صيف شتاء، كل ذلك لا تضعه الولايات المتحدة ولا حزبها الديمقراطي في الحسبان، كما لن يُلقي له بالًا دونالد ترامب المُتلهِّف للعودة إلى البيت الأبيض، ومُستعدٌ لتقديم أي شيء وكل شيء من أجل ذلك، ومن هنا لا نستبعد أبدًا قرارًا رئاسيًا أمريكيًا من ترامب- حال فوزه بالانتخابات- بمنح كامل فلسطين لدولة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعدما منحها في فترة رئاسته الأولى القدس والجولان.
إسرائيل بعدوانها الآثم المجرم والجبان على قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان بل والضاحية الجنوبية لبيروت، وسوريا، واليمن وإيران، تدفع المنطقة دفعًا إلى أتون حرب كبرى، ستأكل الأخضر واليابس، ومُخطئ من يظن أنَّ إرسال الولايات المتحدة لحاملات الطائرات أو الغواصات النووية، أو دعمها العسكري والسياسي اللامحدود لإسرائيل، يُمكن أن يُجنِّب المنطقة خطر نشوب الحرب الكبرى؛ لأنَّ الأطراف التي تتلقى كل هذه الضربات، وهذا العدد الهائل من الشهداء والمصابين، وذلك الدمار الكبير، لن تظل صامتة وتكتفي بالردود المحدودة، ويكفي أنَّ المقاومة اللبنانية التي فقدت المئات من عناصرها، تُبدي استعدادًا لخوض الحرب إذا ما فُرِضت عليها، عندئذ لن تتمكن لا أمريكا ولا إسرائيل من احتواء الموقف، وسينهار الأمن الإقليمي في اللحظة التي تشتعل فيها الحرب، وستتعطل حركة الملاحة الجوية والبحرية، وسيتعمق الانقسام العالمي، لا سيما إذا ما نظرنا إلى الموقفين الروسي والصيني، والذي يُعارض بصورة واضحة العربدة الإسرائيلية.
المجرم بنيامين نتنياهو، يسعى من خلال عدوانه إلى تحقيق أهداف واضحة لا تُخطئها العين؛ أولًا: البقاء في منصبه إلى أجل غير مسمى، تفاديًا للمحاكمة في قضايا فساد، ثم قضية الإخفاق الأمني والعسكري الكبير في 7 أكتوبر. ثانيًا: تنفيذ المخططات الصهيونية واحتلال كامل أرض فلسطين من النهر إلى البحر كما يزعمون. ثالثًا: تهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه، ويعتمد في ذلك على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والقتل والتصفية المباشرة بدم بارد. رابعًا: مواصلة ابتزاز الولايات المتحدة في خضم انتخاباتها الرئاسية؛ بهدف الحصول على أكبر وعود مُمكنة من المُرشحيْن على مقعد الرئيس.
والإبادة الجماعية التي نُشير إليها لم تتوقف عند حدود قطاع غزة؛ حيث سقط أكثر من 41 ألف شهيد، وعشرات الآلاف من المصابين؛ بل تمتد إلى لبنان، إذ إنَّ إسرائيل خططت في عملية تفخيخ أجهزة الاتصالات على مدار يومين، إلى قتل أكثر من 5 آلاف إنسان بضغطة زر واحدة، في جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان. أيُ إجرام بلغ بهذا الكيان الإرهابي في التخطيط لتنفيذ جريمة قتل جماعي لآلاف البشر في دقيقة واحدة؟! إننا أمام جريمة بشعة لم يشهدها التاريخ، لجأ فيها تنظيم إرهابي استخباراتي يُدعى "الموساد" إلى وضع مواد مُتفجرة داخل أجهزة الاتصالات التي يستخدمها مدنيون في الأساس، في فعلٍ إجرامي حقير يعكس ما يُضمره هذا العدو الجبان من خِسّة وخطط شيطانية لا مثيل لها.
إسرائيل باتت بالفعل خطرًا داهمًا، ليس على منطقة الشرق الأوسط وحسب؛ بل على البشرية جمعاء، ويكفي أن نرى دول العالم قد اتحدت وراء قرار منظمة الأمم المتحدة الذي طالب إسرائيل بإنهاء احتلال فلسطين، والتأكيد على قرار محكمة العدل الدولية القاضي بعدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهو قرار تاريخي وانتصار غير مسبوق للقضية الفلسطينية. لكن في المُقابل لن تستجب دولة الاحتلال لقرار الأمم المتحدة، رغم أنَّ هذه المنظمة هي التي أصدرت قرار التقسيم عام 1948 ومنحت اليهود مبررًا قانونيًا لإقامة دولتهم المزعومة على التراب الفلسطيني.
المؤكد لدينا وفق قناعتنا ورؤيتنا للأيام المُقبلة، أن وتيرة التصعيد لن تتوقف، والعدوان الصهيوني سيتواصل، بدعم وغطاء أمريكي، وفي المقابل فإنَّ المقاومة في لبنان لن تصمت كثيرًا على العدوان الآثم الذي استهدف لبنان خلال الأيام الماضية، وسقوط عدد كبير من الضحايا؛ سواء في صفوف المدنيين أو أعضاء المقاومة. أما الوضع في غزة فإنِّه يزداد سوءًا لحظة تلو الأخرى، واتفاق وقف إطلاق النار ربما لن يتحقق أبدًا، في ظل التعنت الإسرائيلي والمراوغة الأمريكية.
ويبقى القول.. إنَّ استمرار الإرهاب الإسرائيلي دون رادع حقيقي، سيقود الشرق الأوسط إلى أعماق هاوية سحيقة من الدمار، والحل في موقف عربي وإقليمي موحّد يضغط على الولايات المتحدة بكل الطرق، من أجل وقف دعمها للمجنون الإسرائيلي نتنياهو، وأن يكون السلام الخيار الاستراتيجي، لأن الحرب إذا ما اندلعت ستُفجِّر أنهارًا من الدماء، دون تمييز، وستكون جميع الأهداف مُستباحة، لذلك على الجميع الانتباه لما يُحدق بنا من مخاطر هائلة، لن تستثني أحدًا.