القضية الفلسطينية في مناظرة ترامب وهاريس

 

عبد النبي العكري

جرت في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية مساء الثلاثاء (بالتوقيت المحلي) المناظرة التي أجرتها فضائية "ABC NEWS" الأمريكية والتي طال انتظارها بين مرشحي الرئاسة الأمريكية: الرئيس السابق دونالد ترامب، ونائبة الرئيس كمالا هاريس؛ وهي المناظرة التي تابعها الملايين في أمريكا والعالم، وتركت أصداءً واسعة، وستكون لها آثارها في الانتخابات الأمريكية المقررة في 6 نوفمبر المقبل.

المناظرة تخللتها اتهامات متبادلة بالكذب والتلفيق والتضليل، وبالطبع فإنَّ ترامب لم يتردد في تكرار ادعاءات ووقائع وأرقام لا أساس لها من الصحة، وتوجيه الإهانات الشخصية والعنصرية لمنافسته هاريس.

ما يهمنا هنا مواقف كل من المتناظريْن تجاه القضية الفلسطينية وحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة وفلسطين المحتلة.

وفي سؤال لمحاوري المناظرة ديفد موير ولينسي ديفس، موجه إلى كمالا هاريس: "إنه الآن وبعد مرور أكثر من 11 شهرًا من الحرب في غزة، فماذا أنتِ فاعلة غير ما فعله الرئيس بايدن حتى الآن؟".

وقد ردت هاريس بالقول: "نحن نعرف ما حدث في 7 أكتوبر الماضي؛ حيث قام مقاتلو حماس "المنظمة الإرهابية" بمهاجمه المدنيين الإسرائيليين، وقتلت منهم أكثر من 1200، واغتصبوا النساء وذبحوا الأطفال. لكن نحن الآن بعد أشهر عديدة من الحدث؛ حيث القصف بالقنابل وحيث قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة والتي دُمِّرَت بالكامل. لذا نحن بحاجة لوقف فوري لإطلاق النار وتحرير الرهائن، ثم نقوم بإعادة إعمار غزة وتحقيق تطلعات الفلسطينيين بإقامة دولتهم حسب حل الدولتين. وليكن واضحًا أنني أدعم بقوة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وخصوصًا تجاه تهديدات إيران، حسب القواعد الدولية وهذا ما سأعمل على تحقيقه".

أما ترامب فأكد ما ذكره تكرارًا: "لو كنت أنا الرئيس لما حدث ما حدث. إنه وبفعل سياسة بايدن وهاريس فقد رُفِع الحظر عن إيران وأضحت تمتلك مئات المليارات من الدولارات والتي تُمكِّنُها من تمويل عملائها للحرب ضد إسرائيل. أنا من فرض الحظر على إيران وحرمتُها من تمويل الإرهاب".

وردًا على أطروحات هاريس، قال ترامب: "لا تصدقوا هاريس فيما تقول؛ فهي تكره إسرائيل وتكره العرب أيضًا. وهي ماركسية وأبوها اقتصادي ماركسي كذلك. وقد تغيبت عن جلسة الكونجرس المكرسة لخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو".

وردت هاريس على ترامب بقولها: "هذا ليس صحيحًا فأنا صديقة لإسرائيل ويشهد على ذلك سجلي في مجلس الشيوخ وفي الإدارة الحالية. ومن الواضح أن ترامب لا يفهم في الأمن القومي والسياسة الخارجية".

إذن.. من الواضح أن التحالف مع إسرائيل؛ بل والشراكة معها ودعمها المطلق في مخططاتها الاستعمارية الاستيطانية العدوانية لفلسطين ومحيطها العربي، هو من ثوابت السياسة الأمريكية الخارجية؛ بل إنها قضية داخلية مُتفق عليها لدى مؤسسة الحُكم الأمريكية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. واذا دققنا في مواقف كلا المرشحين المتنافسين: ترامب وهاريس؛ فهما في الجوهر واحدٌ، وتنبع التباينات الطفيفة لاعتبارات انتخابية وليست أخلاقية.

كمالا هاريس هي مرشحة الحزب الديمقراطي الذي يوجد في صفوفه مكونًا فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا ويساريًا، ويواجه تمردًا من هذا الجناح في صفوفه احتجاجًا على موقف الحزب وحكومة الديمقراطيين المتحالف مع إسرائيل. كما تواجه هاريس إمكانية حرمانها من أصوات الناخبين المؤيدين لفلسطين، وهذا الموقف خطر، وخصوصًا في ولايات مُرجِّحة مثل ميتشجان وويسكنسن وبنسلفانيا.

لذلك فإنَّ هاريس تحاول كسب أصوات هذا التيار بهذا الموقف المُلفَّق. وقد عيَّنت بريندا عبد العال (أمريكية من أصل مصري ومسؤولة سابقة في إدارة بايدن)، مستشارةً لحملتها الانتخابية للتواصل مع الناخبين العرب. ويُقدَّر عدد الناخبين العرب بنحو 3.7 مليون ناخب، وفقًا للمعهد العربي الأمريكي. وعبَّر قادتهم في الحزب الديمقراطي ومنهم جيمس زغبي، عن مواقفه هذه في مؤتمر الحزب الديمقراطي، لكنه لم يتم الاستجابة لمطالبهم؛ بل ولم يُسمح لممثليهم بالحديث أمام المؤتمر. وحجب أصواتهم عن هاريس، يصب في صالح ترامب. كما عينت هاريس المحامية نصرينا بارغزي (الأفغانية الأصل) مستشارة للتواصل مع الأمريكيين المُسلمين.

بالنسبة لدونالد ترامب، فإن الوضع مختلف؛ بل معاكس؛ حيث إن الحزب الجمهوري اليميني في الأساس لا يضم قاعدة فلسطينية وعربية وإسلامية، وإنما قاعدته الأساسية من البِيض المسيحيين؛ حيث التيار الإنجيلي التبشيري، والذي يُمثِّلُه نائب الرئيس المرشح فانس والذي يدعم إسرائيل لاعتبارات عقائدية إلى جانب الاعتبارات السياسية. لقد ذهب ترامب بعيدًا في إحدى مقابلاته لتأييد قيام "إسرائيل الكبرى" على حساب فلسطين والعرب.

من هنا، فإن موقف ترامب هو دعم إسرائيل دون تحفُّظ والمزايدة على موقف إدارة بايدن والحزب الديمقراطي ومرشحته كمالا هاريس، ويتفاخر بأنه قدم لإسرائيل خلال ولايته ما لم يُقدِّمه أي رئيس أمريكي قبله.

الخلاصة.. لا شك أنَّ الكيان الصهيوني في ظل حكومة اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، مطمئنة إلى الموقف الأمريكي، سواء من الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري، وللمرشحيْن المتنافسيْن هاريس وترامب، في دعمهم لإسرائيل بلا حدود، وستمضي في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وباقي فلسطين المحتلة، وقد تمضي في توسعة نطاق الحرب لتشمل داعمي الشعب الفلسطيني،  وخصوصًا جبهة لبنان.