نزوى.. مدينة التاريخ والحاضر

 

 

حمد الناصري

 

تُعد نزوى من أقدم المُدن في سلطنة عُمان ويرجع تأريخ تأسيسها إلى أكثر من خمسة آلاف عام حسب آخر البُحوث والدراسات الآثارية وهي أوَّل مدينة تمَّ اتخاذها كعاصمة سياسية لسلطنة عُمان، وسُمّيت أيضًا "بيضة الإسلام"؛ وذلك بسبب نشاطها الفكري، كما تخرّج منها أجيال كثيرة من الفُقهاء.

وأهل نزوى ورثوا الثّراء المعرفي كما اسْتورثوا الجدّية والإصْرار على العمل والإعمار.. وكانت لهم أنشطة مُتعددة أعْطت لتلك المدينة العريقة مزاياها الخاصة والفريدة فقد برعوا إضافة لشدّتهم وبأسهم في القتال في التجارة والزراعة والعمل في اقتصاديات قليلة ولم يكونوا يترفّعون عن أيِّ عمل يسدّ لُقمة عيشهم، فأصبح يُعرف عنهم الصّبر والحِكمة والإيْمان فقدّموا للبشرية وللمنطقة حضارات ودولا مُتعاقبة خرج قادتها من تلك المدينة العريقة وأسّست لصروح لا تزال شاهدة على أصالة وحضارة تلك المدينة وأهلها، كقلعة نزوى الشّهباء وقلاع وحصون كثيرة شهدت حقبًا تاريخية مجيدة ومفاخر عديدة وخالدة سطّرت في التأريخ ملاحم بحروف من ذهب.

ومن هُنا تأتي المُبادرة التي أطلقتها مجموعة من الشباب الغيورين على وطنهم من أبناء نزوى لإعادة هندسة البشر، الهدف منها تمكين فئة من الشباب لإحياء تُراث وتأريخ نزوى والارتقاء بحاضر المدينة ليكون امتدادًا راقيًا ومُضيئًا لتأريخها التليد من خلال إعادة إعْمار وإحْياء الشواهد التأريخية والحارات ليس فقط لتكون مصدرًا للجذب السياحي ولكن أيضًا لِتُعطي هذه المدينة الأصِيلة بصمتها التأريخية ورونقها العريق.

إنّ ما قام ويقوم به فريق العمل النزواني يستحق الوقوف عِنده، فترميم حارة العقر بنزوى، مُلهمة جبّارة، تستفزّ رغبة الشباب وتُنشّط هِمّتهم، ومُبادراتهم في إعادة تأهيل مشاريع نُزل تُراثية، بلغ عددها 20 نُزلًا تُراثيًا، و200 مطعم ومقهى و3 متاحف و15 سيارة سياحية، إضافة إلى 21 نشاطا مُختلفًا بتكلفة تصل الى 8 ملايين ريال عُماني، يعمل فيها 300 موظف عُماني، وفي خطتهم زيادة رقعة المشاريع وافتتاح أكثر من 10 مشاريع جديدة قبل نهاية العام الجاري 2024.

إنّ هذه الهِمّة العالية والأنشطة الجادة لِتُعبّر عن هندسة بشرية عُمانية مُستدامة وجذوة ألق تأريخي لا تنطفئ ولا تذوي، تُلهم  الشباب للعمل والتطور وتهدف إلى دعم أفكارهم وطُموحاتهم لكي يُشمّروا عن سواعدهم ولا يركنوا إلى الدّعة والرّفاه .. وأيّما هدف أسمى في مُعادلة رفعة الوطن وإحْياء أمْجاده وصِناعة تأريخ جديد مُرتبط بأصالة وقِيم وتُراث عُمان وحضارتها ويحمل في طياته مسؤولية وطنية وتأريخية.

إنّ مِثْل هَاتِهِ المشاريع هي بحقّ نموذجًا يُحتذى بها في منظومة صِناعة السياحة التُراثية ناهيك عن قيمتها وأثرها التأريخي والمعنوي، وبرأيي الشخصي أعتقد أنها يجب أنْ تُعمم في جميع المُحافظات وأنْ يُتم نقل تجربتها إلى أسواق الولايات وخاصة الأسواق التراثية لكل ولاية ومُحافظة، مُستلهمة من تجربتها من عبق ماضي السلطنة ومن المزايا الخاصة بكل ولاية ومُحافظة.

لقد خرج شباب ولاية نزوى لنا وللعالم بعريقة التُراث وإلْهام المُستقبل ولْنأخذ بيدهم ونكون لهم عونًا في سبيل إنْجاز هذا المشروع الفذّ وتعميمه على سائر الولايات في سلطنتنا الحبيبة.

خلاصة القول.. إنّ أيّ مشروع ومنها صِناعة السياحة الداخلية تحتاج إلى "إعادة هندسة البشر" كما أطلقها رائد الأعمال إسحاق الشرياني الحريص والمُتمسك بتُراث مدينته التاريخية العريقة ومن معه من الشباب المُخلصين خِدمة لرؤية وطنهم المُتجددة.. وأطالب مُجتمع التُجّار بدعمهم ومدّهم ماديًا ومعنويًا وبالخِبْرة والمشورة، فتنشيط التجارة الداخلية والأسواق التراثية من مُلْهمات الإنسان، ومن مُبادرات شبابية يخدمون أنفسهم بأنفسهم.. فجهود أولئك الشباب تستحق منّا الاحترام والتقدير، وهذا العمل الجبّار والمُتميز يستحق الإشادة والتقدير، إنهم فخرٌ للشباب العُماني وذُخرٌ للوطن.

تعليق عبر الفيس بوك