"نتن-ياهو".. المسخ الجديد

 

الطليعة الشحرية

أكثر ما يُثير الانتباه في كتاب "مكان بين الأمم" لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ذلك الفصل الذي يتحدَّث فيه عن العداء العربي الإسرائيلي وتحييد الصراع باعتبار أنَّ فلسطين أرض إسرائيلية وهو أمر مسلمٌ به، وليس للفلسطينيين أي حق فيها.

يتعامل نتنياهو مع ذاته على أنَّه شخصية تاريخية في صيرورة الشعب اليهودي وُجِدَ لحماية اليهود من الإبادة، وأنَّه لا توجد شخصية يهودية قادرة على تحقيق ذلك سواه، وذلك نابع من فهمه لطبيعة الصراع؛ كونه صراع حضارات بين حضارة الغرب والحضارة الإسلامية.

ذكر نتنياهو تصوره في كتابه "مكان بين الأمم" أنّ إسرائيل "بوصفها ممثلاً عن الحضارة الغربية ذات الجذور المسيحية-اليهودية" في صراع مع الفلسطينيين بوصفهم (ممثلين عن الحضارة الإسلامية) في معركة وُجُودية تُهدد وجود الكيان اللقيط والقيم الغربية.

شكّل بنيامين نتنياهو حالة غير مسبوقة في تجربة إسرائيل السياسية باعتباره أول قائد استمر في الحكم أكثر من  14عامًا، أي أطول من فترة حكم بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل. وعلى الرغم من تورُّط نتنياهو في قضايا فساد معروفة بـ"قضية الهدايا"، إلّا أن نتنياهو ووزراء حكومته استطاعوا التموضع في سياق الصراع الحضاري بين الغرب والإسلام؛ فالمشروع الصهيوني يمثل خط الدفاع الأول للحضارة الغربية وجزءًا لا يتجزأ من الصراع الأكبر بين ما يعتبرونه "الغرب المدني الإنساني المتحضر والإسلام الإرهابي المتطرف العدواني" حسب اداعاءاتهم الكاذبة. لذا يتوجب على الغرب دعم المشروع الصهيوني لتمكين إسرائيل من قيامها بما يُسمى"واجبها المقدس" في التصدي للزحف الإسلامي المُحتمل!!

اختلت البوصلة لدى العديد من الدول والكيانات وارتفعت أصوات تُطالب الفلسطينيين بالهجرة، مُستذكرين هجرة المسلمين الأوائل، ومنهم من قفز إلى استخدام فتوى مُعلّبة مختومة بعلامة التطبيع. واستثمر نتنياهو الفرصة وقدم نفسه باعتباره "المُخلِّص" الذي سينقذ بني إسرائيل، وكصديقٍ وَفيٍّ للمتصهينين العرب، يقود المنطقة إلى اعتاب مرحلة جديدة.

يتسم السلوك السياسي لنتنياهو- المسخ الجديد- بآيديولوجية عنصرية تحركها ترسبات نفسية شخصية ولا تختلف رؤيته السياسية العنصرية عن رؤية الرعيل الأول من المؤسسين للكيان اللقيط. فيما تطورت شخصية نتنياهو مع الوقت ليصل إلى مرحلة يرى بها ذاته كزعيم ومُخلِّص للشعب اليهودي وليس رئيسًا للحكومة فقط، وقد تكون هذه الصورة أكثر تعقيدًا وتركيبًا في كونه يُمثِّل رأس حربة للحضارة الغربية المسيحية الصهيونية في مواجهة الحضارة الإسلامية، وتتجلى تلك الرؤية ونزعة الصراع العنصرية في عنوان كتابه "مكان بين الأمم". علماً بأنَّ الديانة اليهودية غير تبشيرية بعكس الديانة المسيحية، وهذا ما جعل منها دينًا منعزلًا منغلقًا، فلم تُشكِّل عبر تاريخها الطويل حضارة يهودية قائمة بذاتها؛ بل شكّلوا مجموعات عرقية استظلت بحضارات أخرى.

شخصية نتنياهو هي نتاج لثلاث شخصيات محورية: جَده الحاخام نتان ميلايكوفسكي الذي تجنّد في الحركة الصهيونية وأصبح من كبار المُبشِّرين بالحركة الصهيونية، إذ بَشَّرَ بالصهيونية ولم يُبشِّر بالديانة اليهودية. وتأثر نتنياهو بوالده بنتسيون الذي عَمِلَ في الصحافة إبان الانتداب البريطاني. وكان يمينيا راديكاليًا يؤمن بفكرة إسرائيل الكبرى (ضفّتي الأردن) وبالكفاح المسلح ضد العرب. أخفق بنتسيون في الحصول على وظيفة في الجامعة العبرية وتمَّ التقليل من شأن إنتاجه الأكاديمي مما دفعه إلى الهجرة الى الولايات المتحدة الأمريكية. أثّرت الترسبات العائلية لنتنياهو على سلوكه السياسي الثأري المستمر من النخبة اليسارية في إسرائيل. وكان لمقتل شقيق نتنياهو في عملية تحرير رهائن إسرائيليين محتجزين في مطار عنتيبي في أوغندا، الأثر البالغ في سلوكه المُتعنِّت في أزمة الرهائن الحالية، فكيف لأخيه أن يموت وحيدًا دون تضحيات جليلة من الشعب الإسرائيلي. لذلك هذا الإمعان في سفك الدماء ما هو إلّا تراكمات هزت سابقًا شخصية هذا المسخ اليهودي الجديد.

"إن تنازُل دولة إسرائيل عن الصهيونية يُعد تنازلًا عن مصدر حياتها، وعندئذ الذبول".. "الافتراض القائل إنه يمكن إصلاح الظلم الذي لحق بالعرب عن طريق إعادة الضفة الغربية إلى حكم عربي، مانعين بذلك إثارة مطالب مشابهة بالنسبة لمناطق أخرى كان قد خرج منها العرب في عام 1948 يُعد افتراضًا فارغًا. لا يُمكن إصلاح الظلم الكبير عن طريق تقليص حلبة الجريمة لتقصير المناطق داخل الخط الأخضر"، هكذا يقول نتنياهو في كتابه "مكان بين الأمم".

هذه هي عقلية نتنياهو المُخلِّص، بكل ما فيها من صهيونية عنصرية صرفة، وهذا أمرٌ منطقي؛ فاللص يعلم تمامًا أنَّه سيتم مُلاحقته ومُطالبته باسترداد ما سرق، فلا حيلة له إلّا الادعاء بأنَّه "مُخلِّص" الإنسانية المتحضرة من "الإرهاب الإسلامي المتطرف"!!