الدايلكتيك

 

عيسى الغساني

"الدايلكتيك" مفهوم فكري ومنهجي يعني الجدلية لفحص الأفكار وتحليلها والغاية هي الوصول إلى الحقيقة أو الفهم الأعمق، وأصل هذا المصطلح يعود إلى الإغريق، لكنه اكتسب بعدا وأهمية كبيرة في العصر الحديث واستخدم أفلاطون الدايلكتيك في الحوار بين الأفراد لكشف التناقضات في الفكر . وفي منهج هيجل يبدأ الدايلكتيك أو يتكون الدايلكتيك من أجزاء ثلاثة 1.  أطروحة (فكرة)2. النقيض (فكرة معارضة) 3. التركيب (حالة جديدة تتجاوز التناقض وتجمع بين الإيجابي أو المفيد من الفكرة ونقيضها .

وفي علم التاريخ يرى مفكرو الدايلكتيك أن التاريخ يمضي بشكل متناقض بين الفكرة ونقيضها ومن ثم التركيب لفكرة جديدة، وتحدث الفكرة الجديدة المركبة نقلات نوعية أو طفرت غير متصورة أو متوقعة في أغلب الأحيان . ويمكن تشبيه مفهوم الدايلكتيك بأمطار بسيطة لفترة طويلة تنتج فيضانات لا يُمكن السيطرة عليها وإنما تترك الطبيعة للطبيعة إلى أن تستقر. ومن أهم مبادئ الدايلكتيك 1. التناقض الذي يعتبر جزءًا من الواقع فكل فكرة تولد نقيضها فالظلام يولد النور والوهن يولد القوة والشر يولد الخير .2. التغيير والتحول ويكون بتفاعل الأضداد.3.الشمولية وهذا من أهم المبادئ لفهم وقراءة الواقع، والشمولية هي تشابك وترابط الكل حيث يتكاثر الجزء بالكل .

والحرب من منظور الدايلكتيك كظاهرة اجتماعية تقود إلى تحولات وتغييرات فكرية حيث تنشأ تناقضات عميقة داخل المجتمعات على المستوى الاقتصادي أو الأيديولوجي وتفاعل هذه التناقضات يذكي الصراع القائم، فالحالة المركبة الجديدة الناتجة عن الصراع تحدث تحولات جوهرية في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. مما ينتج إعادة تشكيل وبناء بعد الحرب وهو ما يسمى تركيب الحالة الجديدة . فالمفهوم الثقافي أصبح معدلا وجديدا وتنشأ أزمات حديثة غير متصورة نتيجة تبدل الأفكار السائدة بأخرى جديدة فالحرب العالمية الثانية أدى نقص العمالة إلى خروج المرأة للعمل ومن ثم قضية المساواة بين الرجل والمرأة وما لازم ذلك من تغيير لمفاهيم العدالة والحرية. ولعل الصدمة وفقدان الثقة وعدم اليقين الذي تنتجه الحرب وخروجها عن قواعد السلوك المقبول، يمكن أن تكون عاملاً لعدم ثبوت سلوك الفرد نتيجة للقلق والخوف وعدم القدرة على التعايش مع الآخرين يشكل حالة وعي غير متصورة أو غير متوقعة في السياق الطبيعي وغير مقبولة .