تلاقي كل الاستحقاقات لتطبيق منفعة الباحثين الآن

 

د. عبدالله باحجاج

في أغسطس من العام 2020 أجاز نظام الأمان الاجتماعي صرف منفعة شهرية للباحثين عن عمل، وقد صدر هذا النظام بالمرسوم السلطاني رقم 82/2020، وتمَّ تطبيقه في نوفمبر من العام نفسه، واللافت أنَّ هذا المرسوم في مادته "22" قد حدد فترة زمنية يجوز بعدها تطبيق المنفعة، وهي بعد مرور 3 سنوات من تطبيق النظام، إذ تنص المادة على أنه "يجوز صرف إعانة للباحث عن عمل لأول مرة، بعد انقضاء 3 سنوات على تاريخ العمل بهذا النظام، وذلك وفقًا للقواعد والشروط التي يصدر بها قرار من الرئيس، بعد موافقة مجلس الوزراء".

هذا يعني أننا الآن أمام إمكانية توفُّر الاستحقاق الزمني للمنفعة، واللافت كذلك تلاقي عدة اعتبارات أخرى- أي غير الزمنية- لتطبيق المنفعة الآن؛ منها الاجتماعية وحالة فراغ الشباب وتقدم بعضهم في السن، والأطماع الجيوسياسية وطبيعة الأجندات التي بدأ بعضها يظهر فوق السطح حاليًا، وتشغل وسائل التواصل الاجتماعي.

حتى مجلس الشورى قد تدخل مؤخرًا في ملف الباحثين عن عمل عبر تشكيل لجنة مؤقتة، وكان من بين أهم توصياتها تطبيق منفعة الباحثين عن عمل ومنفعة ربات البيوت (الباحثات عن عمل)، وتشجيع وتسهيل إنشاء شركات الباحثين عن عمل في المحافظات والولايات، على أن تُمنح الأولوية في إدارة عقود الشراكة والتخصيص ومشاريع تنمية المحافظات.

وتلتقي الآن زمنيًا كل الاعتبارات المُلحّة لتطبيق المنفعة، ونعتبر تطبيقها الآن بمثابة إدارة للحقبة الزمنية الراهنة بحمولتها الثقيلة المتعددة سالفة الذكر، وتلكم التي قد تظهر مستقبلًا، وهذا النوع من الإدارات ينبغي ألا تؤجل، خاصة وأن الظرفية المالية لبلادنا مواتية وآفاقها مطمئنة ولله الحمد.

والمنفعة ليست حلًا دائمًا، وإنما مؤقتة مع التشديد على أنها أولوية الآن، وبالتالي ينبغي أن تكون الرهانات الأساسية على ما تُنتجه المشاريع الجديدة من فرص عمل من حيث- الكم والنوع- وفق سياق زمني قصير ومتوسط الأجل، وهذه فترة زمنية للتحديات الجيوسياسية غالبًا، وإنتاج الفرص ينبغي أن يكون محسوبًا مسبقًا؛ أي يتصدر أولويات المشاريع بخطط مُمنهجة وليس تحصيل حاصل، حتى لو تم تشكيل لجنة رفيعة من كوادر متخصصة في مجلس المناقصات، تختص بفرص العمل التي ينبغي أن تُنتجها المشاريع الاستثمارية الجديدة، ويكون لها الكلمة في تحديد الكم والنوع من فرص العمل، وكيفية استحقاقها.

ونجدد رؤيتنا هنا بدور اللامركزية (المحافظات) في السعي لإنتاج وتوفير فرص عمل لأبنائها؛ سواءً من مشاريع البلديات الجديدة أو من المشاريع الاقتصادية القائمة في كل محافظة، بحيث تنشغل كل محافظة بصناعة وتوفير فرص العمل لأبنائها بصورة ملموسة ومُعلنة، وهذا الانشغال المُنتِج للتفاؤل هو من موجبات إدارة الحقبة الراهنة، ونقترح أن يكون وفق المسارين التاليين:

الأول: تناولناه في مقالات سابقة، وهو باختصار أن تلجأ كل محافظة إلى حصر عدد الشركات الكبيرة فيها، وتدخل معها في نقاشات توفير الفرص من خلال التدريب والإحلال بمباركة مُسبقة وصريحة من مجلس الوزراء؛ وذلك في ضوء ما كشفه تقرير مجلس الشورى عن زيادة توظيف الأجانب في بعض الشركات وتراجع التعمين. وقد تناولنا فقرات مهمة من هذا التقرير، وتتعزز إمكانية توفير الفرص من الوظائف القائمة، ولن نبالغ إذا ما قلنا إنه بهذه الآلية إذا لم تُصفِّر كل محافظة عدد الباحثين عن عمل فيها، فإنَّ البعض سيُصفِّر، والبقية ستُقلِّص العدد.

الثاني: نطرحه في التساؤل الآتي: أين نتائج المذكرات التي وقعتها بعض المحافظات مع البرنامج الوطني للتشغيل والشركات لتوفير فرص العمل، وكان مكتب محافظ ظفار قد وقّع في السابع من مارس 2023، على مذكرة تعاون مع البرنامج الوطني للتشغيل بهدف ايجاد فرص عمل وتدريب وتأهيل أبناء محافظة ظفار في المجالات الاقتصادية والسياحية والثروة السمكية والحيوانية والأمن الغذائي ومجالات التكنولوجيا وتقنية المعلومات. فأين نتائجها الملموسة؟ وقد قيل في حينه إنها- أي المذكرة- ستُوظِّف الآلاف. كما شهد مؤخرًا بعض محافظات البلاد الأخرى مثل محافظات شمال الباطنة وجنوب الباطنة والظاهرة، توقيع مذكرات مُماثلة، وهذه خطوات مهمة تعكس السياسة العامة للدولة في مجال التعمين والإحلال وتوفير فرص العمل. لكننا نتساءل هنا عن النتائج.

وهنا، نُكرِّر دعوتنا بأهمية إيلاء الجانب الإعلامي/ الصحفي الأهمية القصوى في ملف الباحثين عن عمل، فهذا لدواعي طبيعة الحقبة الزمنية الراهنة التي ينبغي أن يكون عنوانها العمل الذكي- قولًا وفعلًا- ليس من قبل النخب الحكومية فحسب؛ بل كل النخب الخاصة والعامة، التي تصنع الرأي العام، وهذه من أهم الموجِّهات التي ينبغي أن تصل للوعي العام في هذه الظرفية بالذات، في سياق الالتزام بتحقيق نتائج ملموسة تنشغل بها مرحلتنا الوطنية حتى لا تشغل بغيرها أو يتقاطع معها أجندات خارجية.

ولماذا الرهانات على الإعلام/ الصحافة؟ وهذا التساؤل نُكرِّره في مقالاتنا عن الباحثين عن عمل، وذلك لتعظيم النتائج الإيجابية ونشرها للرأي العام، لأنه بغيابها ستسمر عمليات نشر السلبيات، وصناعة السلبية في الجيل الجديد في حقبة جيوسياسة وجيواستراتيجية غير مسبوقة إقليميًا وعالميًا. ما نطالب به من دور فعّال للامركزية الان يدخل في جوهر قراءاتنا لتحديات هذه الحقبة، وقد تم إقامة أقسام أو أقل منها بقليل في مكتب كل محافظ، لتنفيذ أهداف البرنامج الوطني للشغل، وهي تتبع المحافظ مباشرة، ونقترح توسيع نطاقها الإداري، وتغيير قاعدة هرم علاقتها بالبرنامج الوطني للتشغيل، بحيث تكون اللامركزية هي التي تُحدِّد احتياجات كل محافظة من التدريب والتأهيل لدواعي التعمين والإحلال أو إنتاج فرص جديدة، بعد أن تكون قد توصلت في مفاوضاتها مع الشركات والمؤسسات المتواجدة في نطاقها الترابي والإداري إلى خارطة طريق في قضية التشغيل، وأن يُضَخ لهذه لمؤسسات المُناطة بتطبيق أهداف البرنامج الوطني للتشغيل، خبرات برجماتية مُتخصِّصة من أبناء كل محافظة، حتى لو من المتقاعدين توظيفًا مُتجددًا لخبراتهم العملية والعلمية. ونشدد أخيرًا، على أننا في حقبة تحتم الانتقال من الاعتياد في "الأداء التنفيذي" إلى إدارت هذه الحقبة بأداء ومنطق الأزمات.