عبدالنبي العكري
تمثل القضية الفلسطينة- واستطرادًا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي- كما كانت دائمًا أهم قضية خارجية في الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية، بين المُرشَّح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب، والمُرشَّحة الديمقراطية كامالا هاريس، التي تشغل حاليًا منصب نائبة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وانطلاقًا من قاعدة راسخة في السياسة الأمريكية وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية حليف استراتيجي للكيان الصهيوني وبالتالي فإن كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي داعم لإسرائيل ومناهض لفلسطين وحقوق ونضال شعبها، فإن قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تكتسب أهمية استثنائية في ظل حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة بشكل خاص وفلسطين المحتلة بشكل عام، إضافة لعملياته العسكرية الوحشية في الجبهات المساندة خصوصا لبنان. وعندما نعالج الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينة فإنه يتوجب وضعها في إطار سياستها لما يعرف بالشرق الأوسط وفي حقيقة الموقف الأمريكي تجاه القضايا العربية وفي مقدمتها الصراع العربي الصهيوني ومحوره الصراع على فلسطين.
ترمب ودعم لا سابق له!
يتفاخر ترمب بأنه حقق لإسرائيل ما لم يحققه أي رئيس أمريكي سابق، وأنه كسر ثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي. كانت زيارته الخارجية الأولى إلى المملكة العربية السعودية، حيث كان ينعقد مؤتمر قمة مجلس التعاون الخليجي وتبعها مباشرة مؤتمر القمة الإسلامي؛ حيث خاطب ترمب المشاركين في جلسه مشتركة للمؤتمر مطالبا بتطبيع علاقاتهم مع إسرائيل وعزل إيران. ومن السعودية توجه ترمب مباشرة إلى فلسطين المحتلة في بادرة هي الأولى لرئيس أمريكي، ليؤكد توجهاته الخطيرة والتزامه بأمن ومصالح إسرائيل.
وكانت تلك إشارة واضحة في توجهاته وبعضها يخالف السياسة الأمريكية التقليدية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي وفي صدارته القضية الفلسطينية. فقد تنكر ترمب لحل الدولتين، وأيد سياسة الضم والتهويد الإسرائيلية في الضفة الغربية وحصارها لقطاع غزة. كما اعترف بضم إسرائيل للقدس الشرقية وكون القدس الكبرى عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية في الكيان المحتل من تل أبيب إلى القدس، وأغلق القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، فيما أمر بإغلاق ممثلية السلطة الفلسطينية في واشنطن واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل.
ومن أكبر إنجازاته التي يتفاخر بها تجاه إسرائيل ما يعرف بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية" والتي ترتب عليها اتفاقات تطبيع العلاقات التي رعتها إدارته بين إسرائيل وأربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان؛ باعتبارها إنجازًا دبلوماسيًا كبيرًا ودليلًا على أنَّ اتفاقات أخرى مُشابهة ستأتي، إذا عاد إلى الرئاسة. ويطرح ترمب البناء على هذه السياسة نحو المزيد ومن ذلك الضغط على الدول العربية المرتبطه بأمريكا للتطبيع الكامل مع إسرائيل. وقد لعبت العلاقات الشخصية لترمب وصهره ومستشاره جاريد كوشنر مع قادة المنطقة دورا أساسيا في أساليب التواصل، بل وفي صياغة قراراته.
ومن موقع المُرشَّح الطامح للعودة للرئاسة فإن ترامب يؤكد على هذه المواقف والبناء عليها كما طرحه في المؤتمر الوطني الجمهوري في ملواكي وكما يردده في حملته الانتخابية. فهو ينتقد الإدارة الديمقراطية في عدم دعمها الكافي لإسرائيل في حرب الإبادة ويعد بدعمها بقوة ودون أية ضغوط عليها. وهو يدعو المجرم نتنياهو والكيان الصهيوني إلى حسم حرب الإبادة بسرعة كما أكد في اجتماعه معه أثناء زيارة نتنياهو للولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا. كما يصف المظاهرات الاحتجاجية على حرب الإبادة الإسرائيلية الأمريكية ضد الشعب الفلسطيني بأنها غوغائية يتوجب قمعها وطرد أي مشارك غير أمريكي فيها من الولايات المتحدة.
ويقول للأمريكيين إنَّ حرب غزة ما كانت لتندلع لو كان هو رئيسا لأمريكا. ويدعي أن سياسة الضغط الأقصى على إيران التي اتبعها في عهده أدت إلى إضعاف إيران اقتصادياً إلى درجة ما كان سيكون لها أن تدعم حركة حماس إلى درجة تؤدي إلى شن هجوم السابع من أكتوبر 2023. ومن هنا مماطلة نتنياهو في إبرام اتفاق مع حماس لوقف الحرب وتبادل الرهائن بانتظار الانتخابات الأمريكية وتوقعه بفوز ترمب الذي سيدعمه دون تحفظ..ويشارك ترمب في مواقفه نائِبِه المُرشَّح جي دي فانس الإنجيلي ذو الأفكار والمواقف انطلاقا من موقف عقائدي.
كامالا هاريس المخادعة
خلافًا لما هو الوضع في الحزب الجمهوري؛ حيث التطابق ما بين أطروحات ترمب والحزب، فإن كامالا هاريس وهي الشريك للرئيس بايدن في الحكم القائم على شراكة أمريكا لإسرائيل في حرب الإبادة، والإبقاء والبناء على سياسات ترمب تجاه قضية الصراع العربي الصهيوني، فإنها تواجه معارضة قوية لهذه السياسة في أوساط الحزب الديمقراطي من قبل تيار واسع من الأعضاء والجمهور الفلسطيني والعربي والإسلامي واليساري.
لقد تبيّن ذلك بوضوح في المظاهرات والتعبيرات الاحتجاجية ضد حكومة بايدن منذ اندلاع حرب الإبادة وخلال حملة بايدن الانتخابية، ثم تواصلت تجاه حملة هاريس الانتخابية لاحقًا ومنها حجب الالتزام بترشيح بايدن في انتخابات مندوبي الحزب للمؤتمر الوطني الديمقراطي.
موقف كامالا هاريس ونائبها تيم مالز، لا يزال مُنحازًا بالكامل لإسرائيل والاستمرار في جوهر سياسة الإدارة الحالية مع طرح شكلي لوقف إطلاق النار وتحرير الرهائن ورفع الحصار وإعادة بناء غزة، وكذلك حل الدولتين، مع الإبقاء على الدعم والشراكة العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية الأمريكية الشاملة لإسرائيل على حساب فلسطين وشعبها.
ينعقد المؤتمر الوطني الديمقراطي قي شيكاجو خلال الفترة من 19 إلى 23 أغسطس الجاري؛ ليشكل تظاهرة سياسية بخطابات لقادة الحزب بمن فيهم الرئيس بايدن والرؤساء السابقين لدعم الحزب ومُرشَّحته كامالا هاريس، ونائبها تيم مالز للرئاسة الأمريكية؛ حيث تقبل هاريس ونائبها رسميًا الترشح عن الحزب الديمقراطي ويقر برنامج الحزب للانتخابات الرئاسية والتشريعية.
ومن المتوقع مشاركة عشرات الآلاف من المندوبين المنتخبين وغيرهم ومنهم عدد مهم يمثلون التيار المعارض للسياسة الرسمية للحزب وتحديدًا مُرشَّحيه للرئاسه كاميلا هاريس ونائبها تيم مالز، ويطالبون بتعديلات جوهرية بوقف الدعم الفوري الأمريكي لحرب الإبادة الإسرائيلي، وعدم الاعتراف باجراءت إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والجولان المحتل، واتخاذ إجراءات ضد سياسة إسرائيل في الأراضي الفلسطينه المحتله التي تناقض قرارات الشرعية الدولية الملزمه لأمريكا، وكذلك وضع حد لسياسة أمريكا العدائية تجاه مساندي الشعب الفلسطيني.
وفي ذات الوقت، فإنه جرى ويجري الإعداد لمظاهرات احتجاجية تتوجه الى مقر المؤتمر في شيكاجو؛ لتعبر عن هذه المطالب والضغط من أجلها في المؤتمر بالاتفاق مع المندوبين المؤيدين لذلك في المؤتمر. ومن أهم مواقع انطلاق الاحتجاجات ما يعرف بـ"فلسطين الصغيرة" في ولاية إلينوي، وعاصمتها شيكاجو، مقر انعقاد المؤتمر. ويهدف المتظاهرون للتعبير عن معارضتهم لمشروع البرنامج الحالي وأطروحات هاريس وقيادات الحزب الديمقراطي المنحاز لإسرائيل على حساب فلسطين وشعبها. ويريد المحتجون أن توقف أمريكا دعمها وشراكتها مع إسرائيل عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا.
ومن الواضح انه لن يحدث تغيير جوهري في برنامج الحزب واطروحات هاريس. وسوف يترتب على ذلك حجب العديد من الناخبين الفلسطينيين والعرب والمسلمين واليساريين أصواتهم عن هاريس في ولايات مهمة ومرجحة مثل ميتشجن وإلينوي وبنسلفانيا؛ حيث نسبتهم كبيرة. ويشكل ذلك معضلة؛ إذ سيصب في صالح ترمب على حساب هاريس.
خياران أحلاهما مُر!
تجري عملية الصراع على الرئاسة الأمريكية مع ما يرافقها من حملات انتخابية من قبل الحزبين المتنافسين الجمهوري والديمقراطي، والمُرشَّحين المتنافسين للفوز بالرئاسة: ترمب وهاريس، على وقع حرب الإبادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، مترافقة مع استنفار محموم للكيان الصهيوني وللحركة الصهيونية واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لدعم إسرائيل في هذه الحرب وشيطنة وتجريم المقاومة الفلسطينية، وغير ذلك من المواقف، للتأثير لأقصى حد على الحملة الانتخابية ومواقف والتزامات وبرامج الحزبين والمترشحين، والابتزاز السياسي.
وقد كشف المؤتمر المناهض لمعاداة السامية- والذي نظمه اللوبي الصهيوني وحضره المُرشَّح ترمب- عن انحطاط السياسة الأمريكية في هذا الشأن، مؤيدًا إسرائيل بالمطلق، فقد أعلنت المليارديرة ميريام أندلسون (مزدوجة الجنسية الإسرائيلية والأمريكية) أنها تبرعت لترمب في حملته الانتخابية للرئاسة في 2016 بمبلغ 75 مليون دولار، مقابل وعدِهِ بنقل سفارة أمريكا الى القدس في فلسطين المُحتلة وقد أوفى بوعده! وأعلنت أنها تتبرع بـ100 مليون دولار لحملته الحالية. ورغم أنها لم تكشف المقابل لذلك، إلّا أن المقربين من الطرفين يُشيرون إلى وعد ترمب الاعتراف بضم إسرائيل للضفة الغربية في حال فوزه بالرئاسة.
هذا نموذج لما يجري من تأثيرات فجة في الانتخابات الأمريكية من قِبل إسرائيل والحركة الصهيونية واللوبي الإسرائيلي وحلفائهم في المؤسسات الأمريكية المسيطرة؛ حيث الانتخابات الأمريكية أبعد ما تكون عن الحرية والنزاهة ومصلحة الشعب الأمريكي؛ فمصلحة الكيان الصهيوني هي الأولى والحاسمة.