مسعود أحمد بيت سعيد
لا شك أن لجمهورية الصين الشعبية موقفًا واضحًا من قضية الحرية وحق تقرير المصير للشعوب التي ترزح تحت السيطرة الاستعمارية؛ وذلك انطلاقًا من فلسفتها الآيديولوجية المناهضة لكافة أشكال الاستغلال والاضطهاد.
وسنحاول في هذه المقالة أن نُسلِّط الضوء على بعض مواقفها السياسية من القضية الفلسطينية، دون التطرق لجوانب أخرى رغم أهميتها. ومن الطبيعي العودة الى البدايات؛ حيث ارتبطت الصين من الناحية التاريخية بعلاقات خاصة ومميزة مع الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وهي أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها سنة 1964، وحتى قبل أن تحتل فسطين مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي. واستقبلت بكين حينها معظم القيادات التاريخية للثورة الفلسطينية، ومن كل ألوان الطيف السياسي: أحمد الشقيري وياسر عرفات وجورج حبش وغيرهم. وفي 10 نوفمبر سنة 1975، صوتت الصين لمصلحة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 الذي يعتبِر "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية"، وامتنعت لاحقًا عن التصويت على القرار الذي ألغاه. وعندما أعلن المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر قيام دولة فلسطين في 15 نوفمبر سنة 1988، اعترفت الصين الشعبية بالدولة الفلسطينية، وقدمت حينها عدة مبادرات لحل الصراع على أرضية قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وإذا اقتصر الحديث على ما يجري حاليًا، فإنَّ للصين الشعبية موقفًا متقدمًا؛ سواءً في مجلس الأمن الدولي أو على صعيد الملتقيات والمحافل الأخرى. وتدعم بكين في هذه المرحلة حل الدولتين ومبدأ الأرض مقابل السلام، وفق القرارات الأممية ومنها القرار رقم 194 المتعلق بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شُرِّدوا منها، والقرار 242 الذي ينص على الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة والعودة إلى خط الرابع من يونيو 1967، وهو مطلب عربي في هذه المرحلة ويحظى بتأييد عالمي واسع، وإن كان يصطدم على الدوام بالفيتو الأمريكي.
رغم أن هذا القرار ما زال يثير الكثير من الجدل على المستوى الشعبي؛ حيث يراه البعض حلًا مرحليًا تفرضه موازين القوى القائمة، إلّا أن البعض الآخر يراه حلًا استراتيجيًا يُنهي عملية الصراع الشامل. وفي كل الأحوال، ستكشف التطورات المقبلة مدى واقعية هذا الخيار ومدى إمكانية التعايش مع هذا الكيان الإرهابي الفاشي المُجرم المُسمّى بـ"إسرائيل".
وعلى ضوء التطورات الراهنة، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ، رؤيةً من 3 نقاط لحل القضية الفلسطينية، مؤكدًا ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، واستعداد الصين لأداء دور إيجابي لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وزيادة المساعدات الإنسانية الإنمائية لفلسطين. وفي هذا السياق، استضافت بكين خلال الفترة الماضية سلسلة من الحوارات الفلسطينية- الفلسطينية وآخرها أثناء معركة "طوفان الأقصى"؛ حيث التقى وفدان من حركتي فتح وحماس، وهما طرفا الانقسام على الساحة الفلسطينية الذين يمسكون بزمام السلطة الوهمية تحت الاحتلال في غزة والضفة، والمُمَوَّلين من القوى الإقليمية. وقد تُوِّجَت جهود الصين السياسية والدبلوماسية بالاتفاق الأخير الذي عُرف بـ"إعلان بكين"، والذي وقَّعت عليه جميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء، وكان من أبرز نتائجه الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني، وانضواء الجميع تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؛ وهي خطوة مُهمة في الاتجاه السليم في هذه المرحلة الصعبة من عمر النضال الوطني التحرري، واذا ما تم الالتزام بما اتُفِق عليه ربما يخرج الوضع الفلسطيني من حاله إلى حال أفضل.