سارة البريكية
فلنفترض أنَّه لم تندلع نيران الحرب في السابع من أكتوبر على شعب غزة ولم يمت كل أولئك الناس وأن الحياة كما كانت قبل ذلك التاريخ كيف سيكون المشهد وما الذي سيتغير وأننا لا نزال عالقين في أعوام سابقة وأن أزمة كورونا لم تبدأ بعد وأن الطبيعة كانت جميلة ولم تشوهها الحروب وأن حاسة الشم التي كدت أن أفقدها في كورونا لازالت قوية رغم أنها ليست كذلك الآن.
فلنفترض أن أيام الإجازة الأسبوعية هي الخميس والجمعة، أما السبت هو بداية أيام الأسبوع وبداية العمل والدراسة، هل لو عاد بنا الزمن إلى الوراء سيتغير شيء من مخططاتنا وأحلامنا وتفاصيلنا وماذا نأكل؟! هل سنرى أننا متعلقون كل هذا التعلق بهواتفنا وهي تلازمنا كل هذه الملازمة وكأنه طفل صغير لا يُفارقنا. الحياة ليست كما نحب ولم تعد كما كانت قبل أن يصبح الإنسان مرتبطاً كل الارتباط بالشبكة الإلكترونية والعنكبوتية وغيرها، فلنفترض أن أيام مقاهي الإنترنت في بداية طفرتها وكنَّا ندفع 500 بيسة على الساعة نظير استخدامنا وتصفحنا لإيميلات حياتنا اليومية وأن مواقع "مكتوب دوت كوم" و"ياهو" و"هوتميل" تتصدر المشهد.
فلنفترض أنَّ الاحتفالات المدرسية التي كانت تقام في المدرسة وكنَّا نتدرب عليها عدة أسابيع لنتقن الفقرات أصبحت من المتاحات في هذا الوقت وهذا الزمن، ولم تعد فقرات إلا مختصرة لا توجد بها لا حياة ولا طعم ولا لون.
فلنفترض أنَّ التطور الذي دخل لم يدخل وانشغالاتنا بهواتفنا وبرامج التواصل الاجتماعية التي أنستنا الكثير من مجريات الحياة اليومية لم نعد كما كنَّا، ولم يعد كل شيء كما كان، ولن يعود للتلفزيون ذلك الوقت، فقد أصبحت شاشاتنا بين أيدينا ولم تعد التلفزيونات إلا للعب البلايستيشن أو لأثاث منزلي يوضع على الحائط يبقى مغلقًا أيامًا وليالي عديدة.
فلنفترض أن هناك في كل منزل شخص لم يعد مفقودا وعادت له الحياة وهو بيننا الآن فكيف لنا أن نخبره كيف أصبحنا نعيش حياتنا بعده كحياة اعتيادية ولا يوجد شيء آخر إلا غيابه فقط ولكننا مضينا في سبيلنا وأن الحي يتناسى الميت بغصة كي يتأقلم مع النقص الذي حدث.
الافتراضات كثيرة ولكن أهمها أننا كنا نعيش حياة طبيعية ولا ننشغل عن من هم حولنا فكنَّا نستمع للأخبار بحرص شديد وننتظر أوقات الإفطار والغداء والعشاء عندما كانت أمهاتنا وجداتنا يحرصن على تواجد نظام مُعين في كل منزل متعارف عليه وأن أيام العيد هي أيام زيارة الأرحام واستلام العيديات ولربما هذا الشيء الوحيد الذي لازلنا محافظين عليه وليس بشكل كامل لكننا نحاول.
فلنفترض أن السماء تمطر، وأننا لا نصور المطر وإنما نستمتع به وصوت أمنا وهي تنادينا للدخول إلى المنزل خوفًا علينا من المرض، لكننا نعاند ونبقى تحت المطر حتى نتبلل فنعود إلى المنزل بعدها ونستمتع بكل تلك اللحظات الجميلة التي كنَّا نعيشها بحب وصفاء وهدوء وراحة.
كانت الحياة جميلة جدًا وكنَّا صغارًا لا نفقه إلّا أن نكون سعداء ونحن سعداء ببساطة ما كنَّا نعيشه، وكنا نستمتع بالمشاركة؛ فالهاتف المنزلي للجميع، والتلفاز للجميع، والنوم في غرفة واحدة جميعًا، لم نكن نسعى أو نخطط للانفراد، لذلك كنَّا نتحدث باستمرار ونتشارك القرارات والأحلام والرؤى؛ فكانت الرؤية واضحة وإيجابية وبناءة وممتعة، لذا فلنفترض أننا هناك في وقت ما لن يعود أبدًا رغم كل هذا التطور غير المسبوق الذي نعيشه ورغم أنَّ الطفولة لم تعد بريئة كما كانت عليه.
فلنفترض أننا الأفضل ولنسعى جاهدين لتحقيق النجاح المطلوب الذي يجب أن نحققه دائمًا.