مدرين المكتومية
نعيش وسط مجتمع يختلف فيه الناس عن بعضهم البعض، عن طريقة حياتهم وأسلوب تفكيرهم، عن التأثيرات المباشرة التي تعرضوا لها وغير المباشرة، مما ولد بداخل كل شخص منَّا الكثير والكثير من التجارب التي أوصلتنا للعديد من المشاعر المتضاربة.
وهناك أناس جعلت منهم الحياة على اختلافها أشخاصًا قادرين دائمًا على التجاوز وعلى البدء من جديد دون الالتفات للآخرين، على عكس البعض ممن كان التأثير عليهم قاسياً، أو بالأحرى التجارب التي عاشوها شوّهت كل ما هو جميل بداخلهم، فاصبحوا غير قادرين على أن يحبوا أنفسهم، ويحبوا الآخرين. وفي اعتقادي أن كل ما نقدمه للآخر هو انعكاس لما نرى أنفسنا فيه؛ حيث تجد البعض يعيش تحت ضغط الغيرة من كل ما تملكه وما بين يديك على الرغم من أنهم قد يكونون أفضل منك بكثير لكن دواخلهم المشوهة صورت لهم أنك أفضل منهم بمراحل.
إنَّ الغيرة لا تقتصر على الأشياء المادية أو على النجاحات وإنما تتجاوزها لتصل الى أعمق من ذلك، الغيرة في حب الناس لك، الغيرة من قربك من الآخرين، الغيرة من قبولك، الغيرة من نشاطك، الغيرة من فرصك، والغيرة أيضا من كل شيء أنت لا ترى أنه مهم أو يذكر.
هذه الغيرة لا تنحصر فقط فيمن هم ليسوا من دائرة معارفك، وإنما قد تجد الغيرة من زملاء العمل، ومن إخوتك وربما أصدقائك القريبين، وربما بين امرأة وامرأة، ويمكن أن تكون أيضا بين رجل ورجل، وقد تجاوز الأمر وأصبح أيضا بين رجل وامرأة! نحن للأسف نخلق في هذه الحياة بطاقات مختلفة، ولذلك فكل منَّا له تفاصيله وحياته التي لا تشبه غيره، وهذه الغيرة سلوك قد يكون غير مقصود وربما تحسس من بعض الأشياء والتفاصيل التي تتولد لدى الشخص، ولكنها مع الوقت تصبح سيئة لأنها تتمكن منه وتجعل منه شخصاً غير قادر على أن يكون عاديا وتتضح كل ما فيه من ردود أفعاله ومن طريقة تعامله مع ما يحدث مع غيره.
قد تكون الغيرة شيئًا عاديًا، وربما صحياً في بعض الأحيان، عندما تكون نوعًا من أنواع التنافس الحميد، لكنها قد تصل لمرحلة مؤذية تجعل الإنسان يحمل في داخله مشاعر سيئة وتجعل مشاعره هي من تتحكم به، وبالتالي تجده غير سعيد حتى وإن امتلك الكرة الأرضية بأكملها، وحتى وإن كان دائما في الأماكن والمراتب العليا، غير أنه يشعر بالنقص أو بافتقاره لشيء معين يجعله يشعر برغبة شديدة في أن يكون مكان شخص آخر أو أن يعيش حياة شخص آخر قد يخيل له أنها حياة متكاملة ولا تشوبها شوائب.
الحقيقة التي لا خلاف ولا جدال عليها هي أننا في هذه الحياة نسعى لأن نكون في مكان مُعين، ومرحلة رائعة، وتحيط بنا الأشياء الجميلة والأشخاص الرائعين لكننا ننسى دائماً أن هناك رب في السماء هو المسؤول عن دورة حياتنا وعن ما نحن فيه وعليه وله حكمته بذلك، والأهم من هذا كله أن يدرك كل منَّا أن الغيرة لا تقود إلا للتعب النفسي لأنك حين تغار من غيرك وتحرق أعصابك بكونك تريد أن تكون هو، فهو في المقابل يعيش بسلام تام ومؤمن إيماناً تاماً بأن الحياة ستعطيه وفق ما يرى نفسه عليه.