د. عبدالله الأشعل **
الرأي الاستشاري الذى أصدرته محكمة العدل الدولية يوم 16/7/2024 والذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة، تضمن نقاطًا مفصلية؛ أولها: أن فلسطين أرض محتلة منذ 1967 بما فيها القدس، كما قررت المحكمة عدم شرعية الاحتلال، وأنه استعمار، وكان يجب أن ينتهي مع نهاية الاستعمار (وتختص بالموضوع لجنة الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار التي نشأت عام 1960)، وأن ممارسات الاحتلال والمستوطنات غير شرعية. وقررت المحكمة تعويضات عن الأضرار التى لحقت بالفلسطينيين نتيجة سياسات الاحتلال.
هذا القرار يترتب عليه الآثار القانونية الآتية:
أولًا: ميَّز القرار بين الأرض المُخصصة لإسرائيل في "قرار التقسيم" وبين بقية الأراضي الفلسطينية التى احتلتها إسرائيل عام 1967 ولم يكن متوقعًا من المحكمة أن تبحث مدى شرعية إسرائيل والأساس القانوني لشرعيتها، خاصة وأن إسرائيل لا تعترف بقرار التقسيم.
ثانيًا: أن القرار حسم السؤال الجوهري: فلسطين لمن؟ لليهود أم العرب أم قسمة بينهما؟!
قام المشروع الصهيوني على أساس التهام فلسطين كلها على أساس زائف، وهو أن فلسطين ملك لليهود وهذا ما عبر عنه كبار الساسة الإسرائيليين عندما ردوا بغضب على رأي المحكمة وأكدوا أن فلسطين كلها لليهود، وأن حل الدولتين غير وارد مُطلقًا؛ لأن إسرائيل الصهيونية لا تعترف بأن للفلسطينيين حقًا في فلسطين، وإنما كل الحقوق محفوظة لليهود!
ثالثًا: أن القرار حسم التكهن والنفاق الدولي حول حل الدولتين في فلسطين، وما دامت إسرائيل تتمسك بأن فلسطين كلها لليهود، فإن قرار المحكمة أكد أن مركز إسرائيل في فلسطين هو أنها سلطة احتلال، وقررت إنهاء الاحتلال فكأنها أضافت أساسًا قانونيًا جديدًا لشرعية المقاومة.
رابعًا: أن المحكمة تعاملت مع إسرائيل على أنها سلطة احتلال، لكن إسرائيل رفضت قرار المحكمة، وأكدت أن "صاحب الأرض" لا يمكن أن يكون محتلًا لأرضه، ومعنى ذلك أن المجتمع الدولى بأسره يعترف بإسرائيل كسلطة احتلال، لكنها ترفض هذه الصفة على أساس أن فلسطين ملك لها.
خامسًا: إذا كانت إسرائيل تؤكد أن فلسطين ملك لها وترفض قرار التقسيم، معنى ذلك أنها أسقطت قرار التقسيم في الجزء المُتعلِّق بحقوقها، أما الجزء المتعلق بحقوق الفلسطينيين، فإن إسرائيل انتهكته واعتمدت كوسيله لتفريغ فلسطين من أهلها بأسلوب الإبادة والقتل. وإذا كان القرار تعامل مع إسرائيل على انها سلطة احتلال، فإن الاحتلال في القانون الدولي له صورتان؛ الأولى: أنه احتلال مؤقت وهو الاحتلال الحربي. والثانية: عندما يستطيل هذا الاحتلال ويصبح طويل المدة، لكن إسرائيل رفضت هاتين الصورتين وأكدت أنها تسترد حقوقها على الأرض في فلسطين، وأن إبادة الشعب الفلسطيني انتقامٌ ممن تجرأ على اغتصاب أرض إسرائيل، فكأن المجتمع الدولى يعتبر الأراضي الفلسطينية أراضٍ محتلة، بينما إسرائيل تعتبر أن فلسطين كلها ملك لها، وأنها أراضٍ مُستردة، فأهدرت بذلك صفة الاحتلال في القانون الدولي، كما أهدرت قرار التقسيم، وعليها أن تبحث لنفسها عن شرعية يقبلها المجتمع الدولي؛ فشرعية الاغتصاب والقوة لا تؤسس حقًا في القانون الدولي.
سادسًا: أن الالتهام واحتكار ملكية فلسطين دون سند قانوني يضيف أساسًا قانونيًا جديدًا لشرعية المقاومة، ويُخرج إسرائيل من كونها سلطة احتلال إلى كونها سلطة اغتصاب، وهناك فرق بين الاحتلال الحربي المؤقت، والاحتلال طويل المدة، بسبب فشل محاولات التسوية، وكذلك الاحتلال النهائي بزعم ملكية اليهود لفلسطين.
سابعًا: أن القرار يفتح الباب لتحدي عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، ولا يمكن أن تنطبق عليها شروط العضوية في المادة الرابعة من الميثاق، ومعنى ذلك أن هذا القرار يمكن استخدامه أداةً لإبطال عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، وربما يحتاج الميثاق إلى تعديل.
ثامنًا: القرار يكشف أن قرارات المحكمة بوقف الإبادة قد وُجِّهَت إلى عصابة وليس دولة، والمفروض أن أول الآثار المترتبة على القرار طرد إسرائيل من المنظمة الدولية؛ بما فيها بالطبع محكمة العدل الدولية.
تاسعًا: أن القرار ينسف أهلية إسرائيل لعقد اتفاقات السلام؛ لأن القانون الدولي يقوم على مبدأ حُسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية، بينما إسرائيل تتستر وراء الدولة، حتى تُوهِم العالم أن سلوكها مثل سلوك الدول، وأنها عضو في أسرة الأمم المتمدْيِنة، وهذا يتطلب طردها فورًا من المجتمع الدولي؛ باعتبار أن العصابة الصهيونية تمثل تهديدًا لبقاء العرق البشري.
عاشرًا: أن القرار يفرض على الدول المتعاقدة مع إسرائيل أن تُراجع موقفها وأن تفسخ جميع المعاهدات معها؛ لأن المجتمع الدولي لا يعترف إلّا بالدول وحدها، أما العصابات فلها وضع آخر.
ويترتب على ذلك أن مصر- أول من عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل- يجب أن تفسخ هذه المعاهدة على أساس التدليس الذي مارسته إسرائيل على مصر، بينما مصر أخطأت في الاعتراف بإسرائيل كدولة، وتتعامل معها ضمن أسرة الدول، ولو كان هناك من يتحدى العلاقات المصرية الإسرائيلية أمام القضاء المصري فإن القاضي المصري لا يملك إلّا أن يصدر الحكم بإبطال جميع التفاهمات التي تمت مع إسرائيل؛ باعتبار أن إسرائيل قدمت بيانات زائفة باعتبارها دولة، ويترتب على ذلك أن إسرائيل أهدرت كل مبادئ القانون الدولي، وكل قرارات الأمم المتحدة؛ بما في ذلك قرارات المحكمة أعلى سلطة قضائية فى نظام الأمم المتحدة.
حادى عشر: أن هذه الآثار تساعد على إدانة إسرائيل أمام القضاء الدولي؛ لأن محكمة العدل الدولية تقبل المنازعات القانونية بين الدول، فإذا كانت إسرائيل عصابة لا ترقى إلى مستوى الدول؛ فيجب على المحكمة أن تحكم بهذا المعنى في قضية الابادة التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام هذه المحكمة.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا