رحيلٌ على درب الآسرين وميلادٌ جديد

 

محمد النهاري

تلقت الأمة الإسلامية صباح الأربعاء المنصرم صدمة باستشهاد رئيس حركة المقاومة الإسلامية إسماعيل هنية بعد عمر عريض قضاه في النضال والتضحية شهد له  العالم أجمع، انشغلت وغيري قبل حين في تدبر حال هذا الرجل الجليل عند تلقيه نبأ وفاة عدد من أفراد أسرته و ردة فعله الصابرة المحتسبة المتيقنة بأن هذا الدنيا دار عبور وافتتان وتدافع والإقبال على الحق والتمسك به أولى والشهادة خير والآخرة أبقى وأعز وقد قال تعالى "مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ" وقال صلى الله عليه وسلم: "من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس؛ ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه".

كان أبو العبد شعلة وضاءة في سماء الأمة الإسلامية صادعا بالحق في كل محفل ونازلة تلم بها دافع بالتي هي أحسن في سبيل وحدتها والصف الفلسطيني رغم ما نعلمه من أمور أصبحت جلية للعيان، ويشهد له التاريخ شعاره" لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بالكيان الصهيوني"، بعد فوزه في الانتخابات التشريعية الفلسلطينية النزيهة في عام 2006، ما أدى إلى وأد إرادة الناس لم يبع ليبقى يقاد كالنعاج إلى المذابح وتحمل ضغوطات كثيرة في سبيل الله وأمته، سيبقى طويلا بأثره وسيرحل الآخرون الذين أخلدوا إلى الأرض لن يذكرهم أحد ألا بسوءتهم، إن قتل القدوات الآسرة في الأمم المضطهدة ميلادٌ لها وقد خاب الكيان المأزوم باغتيال مؤسس الحركة الشهيد أحمد ياسين وعدد من قيادييها فلينظر ما جنى على نفسه من حيث لا يدرك! كانت المقاومة لا تملك الصواريخ ولا الطائرات المسيرة ولا تصنيع فأين صارت اليوم؟!

والباصر في التاريخ يشهد بأن قتل الأبطال هو دفعٌ للحواضن الشعبية في التأسي بهم والإيمان بسلامة طريقهم ومنهاجهم فقد مارس الجيش الفرنسي إبان احتلاله الجزائر ممارسة شبيهة في قتل رموز النضال قتلا لمعنويات الثوار فكان ما كان وازداد الجزائريون بدمائهم صمودا وإقبالا على جلاء المحتل وكذلك الاحتلال الإيطالي لليبيا سار على درب القتل والتنكيل بالرموز والفتك بهم وما وهنوا له ولا ستكانوا وقد سئل أسد الصحراء عمر المختار عن مآل حركته الذي بدأ عليها الأفول فقال بعزة الواثق بالله "يا ابني، إننا نقترب بالفعل من نهاية أجلنا.. إننا نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا حتى نطرد الغزاة أو نموت نحن وليس لنا أن نختار غير ذلك"³ ثم نعلم ما صارت إليه الأمور ، وفي العقود الأخيرة رأينا ما حصل في أفغانستان من اغتيالات لكبار قادة المقاومة فإلى ماذا آلت الأمور ذهبوا ولم يذهب ريحهم وخرجوا هم منها أذلة!

وقد لطف فؤادي قول الإمام الشافعي- رحمه الله- عندما سئل "أيما أفضل للرجل أن يُمكَّن أو يبتلى؟ فقال: لا يُمكَّن حتى يُبتلى والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرسل فلما صبروا مكَّنهم"، فلا تهنوا ولا تحزنوا يأهل غزة أنتم الأعلون.

وخير قصاص قصاص القرآن وما حدث مع بني إسرائيل عندما ابتلوا بجالوت وجنوده "قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"؛ فالابتلاءات والخسارات العظمى في القادة والأنفس والعمران كل ذلك رصيدٌ وذخيرة وثروة في روح الأمم الحرة المؤمنة بحقها في الحياة.

طوبى لغزة وأهلها وقادتها ودام لواءهم وهجا لأمة الإسلام تقتبس الحرية والصمود والانعتاق من أباطيل الطغيان والاستبداد إلى رحاب الحق الظاهر الأبلج، وسلامٌ على أكناف بيت المقدس وأهله وختام الجهاد الحق منهم، فدمتم على الحق ظاهرين لعدوكم قاهرين.

تعليق عبر الفيس بوك