"حماس".. فكرة لا تتأثر باستشهاد قادتها

 

جمال بن ماجد الكندي

(بكل أسى وحزن تلقينا نبأ الفاجعة العظيمة باغتيال القائد المجاهد الشهيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"، بغارة الغدر الآثمة من قبل الكيان الصهيوني المجرم. فإنا لله وإنا إليه راجعون، وتعازينا الحارة لأنفسنا وللأمة الإسلامية جمعاء، وللشعب الفلسطيني الحر، ولجميع فصائل المقاومة. ونسأل الله أن يتغمد الشهيد العزيز بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته مع الشهداء الأبرار.

ومهما يكن من أمره، فإن المقاومة الفلسطينية الباسلة ولّادة، فالقائد يتلوه قائد آخر من بعده، والمجاهد من ذريته مجاهدون).

بدأت مقالتي هذه بكلمات نشرها الحساب الرسمي لسماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عُمان، في رثاء قامة كبيرة نذرت نفسها من أجل فلسطين والأقصى، ونالت ما تمنت من الشهادة في سبيل ذلك. إنه الشهيد القائد إسماعيل هنية. هذه الكلمات تُعبِّر عن مشاعر الشارع العربي والإسلامي عندما سمعوا بخبر استشهاد القائد المجاهد إسماعيل هنية بغارة صهيونية أرادت جني مكاسب سياسية لرئيس وزرائها المعتوه نتنياهو. فهل تحقق ذلك؟ للإجابة على هذا السؤال، سنتعمق في عنوان المقال: "حماس فكرة وليست شخصية".

من هنا نذكر أن سياسة الاغتيالات التي يتبناها العدو الصهيوني ضد قوى المقاومة في المنطقة؛ سواء في فلسطين أو لبنان أو غيرها، هي قديمة جديدة. وقائمتها تطول فقد اغتيل مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وسعيد صيام، وهم من أبرز القادة السياسيين في حركة المقاومة الإسلامية "حماس". كذلك تم اغتيال القائد أحمد الجعبري في نوفمبر 2012، وهو قائد الجناح العسكري لحركة حماس "كتائب عز الدين القسام"، وقبله المهندس يحيى عياش وغيرهم من القادة السياسيين والعسكريين. فهل توقف النضال والجهاد الفلسطيني في غزة؟

الواقع يقول عكس ذلك، ومعركة "طوفان الأقصى" وما قبلها من المعارك عنوان بارز ينطق بأن حركة حماس وغيرها من الحركات الوطنية التحررية في فلسطين هي عبارة عن فكرة لا تتأثر بموت شخصياتها البارزة، سواء السياسيين منهم أو العسكريين.

حركة حماس والحركات الأخرى في غزة هي حركات تحرُّر وطني تُقاتل من أجل تحرير الأرض، وتؤمن بهذه الأيديولوجية، التي تعطيها دافع الاستمرار وعدم الاستسلام في تحقيق هدفها السامي الذي تقاتل من أجله: إما النصر أو الشهادة. لذلك نجد الذين يفقدون أحبتهم في هذه المعركة تختلط عندهم دموع الفرحة والحزن؛ الأولى لأنهم يعلمون بأنهم شهداء عند ربهم يرزقون، ولهم ما لشهيد من أجور، والثانية بفقدهم أعزتهم. وهذه مشاعر إنسانية طبيعية جبلنا نحن البشر عليها. هذه العقيدة التي تؤمن بها جميع حركات المقاومة الفلسطينية في غزة هي وقودها في الاستمرار في نهج التحرر الوطني ومقاومة العدو الصهيوني. فمهما فقدت هذه الحركات قادتها السياسيين والعسكريين لن يرفعوا الراية البيضاء، لأن القائد يتلوه قائد سياسي أو عسكري آخر.

من هنا نطرح سؤالًا جوهريًا: هل هذه الاغتيالات ستُغيِّر المعادلة السياسية والعسكرية على الأرض؟ الجواب يعلمه الإسرائيلي جيدًا وقد ذكرناه، بأن حركات المقاومة التي تقاتل من أجل قضية عادلة، وهي تحرير الأرض، لا تتأثر أبدًا بموت قادتها السياسيين أو العسكريين، لأنها ببساطة فكرة وليست شخص "تموت بموته". وهذا هو الحاصل في حركة حماس في غزة وباقي الحركات الإسلامية والوطنية.

نتنياهو أراد بهذه العملية خلط الأوراق والهروب إلى الأمام، خاصة بعد عشر أشهر من حربه في غزة، وعدم تحقيق أهدافه التي أعلن عنها في بداية المعركة. لذلك فهو أمام ضغوط داخلية من أجل إتمام الهدنة وإنهاء الحرب، بعقد صفقة مع المقاومة الإسلامية "حماس". فقد ذكرت التقارير الإعلامية الإسرائيلية أن نتنياهو هو الذي يعرقل إتمام هذه الصفقة في كل مرة بإضافة شروط جديدة غير مقبولة لدى قوى المقاومة في غزة. وآخر هذه العراقيل العملية الجبانة والمُدَانة من كل شريف في هذا العالم، وهي اغتيال المناضل الكبير إسماعيل هنية.

ردود الأفعال لهذه الجريمة لم يتوقعها الإسرائيلي، فهو قام باغتيال شخصية سياسية معترف بها إقليميًا ودوليًا. لذلك كانت الإدانات واسعة لهذا الفعل الشنيع، والذي سوف يقابل بردة فعل يندم عليها هذا الكيان الغاصب. ولعلها من المفارقات في علم السياسة أن تقوم دولة باغتيال رئيس لجنة التفاوض معها، وتنسف ما يعمل من قبل أمريكا وغيرها من أجل إتمام هذه الصفقة.

اغتيال الشهيد إسماعيل هنية جاء بردة فعل عكسية في الداخل الإسرائيلي، وردة الفعل لم تكن متوقعة في الداخل والخارج؛ فالجبهة الداخلية الإسرائيلية في تشتت وانتظار للرد الإيراني، وهذا الانتظار هو أصعب من تلقي الضربة، وبدأ يؤثر على الجانب الاقتصادي للكيان الصهيوني المتأثر أصلًا بسبب جبهات المساندة اللبنانية واليمنية والعراقية؛ فشركات الطيران العالمية بدأت تلغي حجوزاتها إلى الكيان الصهيوني، والهجرة العكسية أصبحت ظاهرة واضحة عند الإسرائيليين. وكل هذا بسبب حماقات نتنياهو، والمظاهرات ما زالت السمة البارزة في الشارع الإسرائيلي بعد وقبل عملية الاغتيال الجبانة بل هي زادت بعدها، لأن الشارع الإسرائيلي بعد العملية أصبح على قناعة بصعوبة استرجاع أسراه عن طريق التفاوض ونتنياهو في السلطة.

هذا مؤشر بفشل سياسة استخدام القوى العسكرية والاغتيالات في إنهاء معركة غزة حسب الرؤية الصهيونية. ولا رجوع للأسرى إلا عن طريق التفاوض، وهذا الذي سيحصل، والأيام القادمة حبلى بأحداث مهمة ستكون في صالح قوى المقاومة في المنطقة. فأمريكا أصبحت في العد التنازلي لسباق الرئاسة، وهي لا تريد توسيع دائرة الصراع مع محور المقاومة وتحويل المنطقة إلى حرب إقليمية. والرد القادم سوف يلجم الصهيوني ويجبر الأمريكي على عمل فرملة لجنون نتنياهو. وهذه الضربة المتوقعة ستنعكس سلبًا عليه في الداخل الإسرائيلي وتعيد الحسابات وتقلب الرأي العام في الكيان الصهيوني، خصوصًا المعارضة من أجل وقف الحرب وإتمام صفقة التبادل حسب الخريطة المتفق عليها.

فهل يتحقق ذلك؟!