اغتيال هنية.. الدوافع والأسباب

 

 

د. عبدالله آلبوغبيش **

 

بعد مُضي يومين من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وخفوت نار التغريد والتحليل، يُمكن التطرق إلى بعض النقاط في هذا السياق:

في أي قراءة للأحداث والتطورات لابُد من وضع الأحداث ضمن إطارها المحلي والإقليمي والدولي، فغياب مثل هذه النظرة يؤدي إلى فهم خاطئ للأحداث، وبالتالي يقودنا نحو متاهات في المواقف والقرارات. ومن هذا المنطلق، فإنَّ دوافع اغتيال إسماعيل هنية تأتي في سياق التطورات التالية:

1- إيرانيًا: شهدت إيران خلال الشهر الماضي انتخابات رئاسية مبكرة على ضوء تحطم طائرة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي؛ حيث فاز فيها مسعود بزشكيان الذي حظي بتأييد على مستوى القيادات والشعب وقد رفع شعار الدعوة إلى حل القضايا العالقة مع الغرب عبر المفاوضات، ولا شك أنَّ مثل هذا الموقف يؤدي إلى إحراج كيان الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي يجعل عملية تأليب المجتمع الدولي ضد إيران مهمة صعبة للاحتلال. إذن كان لا بُد من القيام بعملية استباقية تستفز طهران وتمنع تحقيق أي إنجاز إقليمي أو دولي لها منذ اللحظات الأولى لبدء مهام الرئيس الجديد.

2- عربيًا: عملية اغتيال إسماعيل هنية باعتباره شخصية تحظى بشعبية كبيرة لدى الرأي العام العربي والإسلامي لا سيما بعد عملية "طوفان الأقصى"، وذلك في قلب العاصمة الإيرانية طهران المعروفة بدعمها للمقاومة الفلسطينية، تساهم في إيجاد شرخ عميق بين إيران وحماس من جهة، وبين إيران والشارع العربي والمسلم من جهة أخرى؛ حيث تؤدي إلى توجيه الانتقادات لإيران، وربما توجيه أصابع الاتهام نحوها، بعد أن نالت شعبية كبيرة لدى الرأي العام العربي عبر دعمها للقضية الفلسطينية والتصالح مع السعودية في عهد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي؛ ما ساهم بوقف عملية التطبيع التي يعمل الصهاينة على تحقيقها في الشرق الأوسط.

3- إقليميًا: لا شك أن أسطورة الجيش الذي لا يُقهر قد انهارت منذ السابع من أكتوبر 2023، وإن ما يسمى بالردع الإسرائيلي قد تزعزع إلى حد بعيد، بحيث إن الاحتلال بات مكشوفًا من جميع الجهات، وإن أصغر الحركات المناهضة للاحتلال باتت تستهدفه من كل حدب وصوب. إذن كان لا بُد للاحتلال من استعادة ذلك الردع وترميم تلك الأسطورة المنهارة عبر اغتيالات يصعب الرد عليها بالنظر الى ظروف الدولة أو الحركة المستهدفة.

4- دوليًا: بعد انتخاب الرئيس الجديد في إيران، تزايد الحديث عن تقارب بين طهران والعواصم الأوروبية وواشنطن، وهذا ما لا يروق لإسرائيل التي تتغذى من دعاية التهديدات الإيرانية ضدها، وتعمل على تشويه صورة إيران لدى الغرب وتخويف المجتمعات والحكومات الغربية من أي دور لإيران على المستويين الإقليمي والدولي، لذلك لا بُد من تفادي أي تقارب ومنع أي صفقة إيرانية غربية محتملة تساهم في تعافي الاقتصاد الإيراني؛ ما ينعكس إيجابيًا على تحسين صورتها دوليًا، بعد أن تمكّنت من تحقيق شعبية كبيرة لدى أوساط الرأي العام العربي من خلال التصالح مع المملكة العربية السعودية ودعم القضية الفلسطينية بكل ما أوتيت من قوة، وذلك في ظل غياب أي دعم عربي حقيقي للفلسطينيين في قطاع غزة.

5- إسرائيليًا: القضاء على قيادي كبير في حماس يساعد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على تعزيز مكانته السياسية التي باتت تتآكل بعد أن طال أمد الحرب دون تحقيق إنجاز حقيقي. اليوم، يمكن الحديث عن أن نتنياهو لا يستطيع البقاء في منصبه السياسي إلا عبر الاغتيالات والاستمرار في الحرب التي تبين أنها لا تؤدي إلى نتائج ملموسة حتى الآن.

إذن.. من السذاجة الحديث عن أنَّ كيان الاحتلال الإسرائيلي لم يستطع اغتيال هنية في عواصم أخرى سوى طهران؛ فأي عملية اغتيال لا بُد من أن تحقق إنجازًا ملموسًا على عدة مستويات، وإلّا فإن التصفية الجسدية للشخصيات المستهدَفة خارج الظرف المناسب لا تخدم مصالح الجهة المستهدِفة لتلك الشخصيات. فكما نعلم أن زيارة الشهيد إسماعيل هنية إلى طهران لم تكن الأولى من نوعها، وعلينا أن نتساءل لماذا لم يتم اغتياله في المرات السابقة؟ لا سيما وأنها ليست المرة الأولى التي نرى كيان الاحتلال يغتال قادة المقاومة الفلسطينية في الدول المستضيفة لهم؛ فالاحتلال اغتال في السنوات الماضية فتحي الشقاقي في مالطا، وغسان كنفاني في بيروت، وفادي البطش في ماليزيا، ومحمود المبحوح في إمارة دبي، وغيرهم كثيرين.

إذن.. بعيدًا عن كل المشاعر والأحاسيس لا بُد من النظر إلى الأحداث والمجريات من منظور منطقي، ولا بُد من وضع الأمور في سياقها المحلي والإقليمي والدولي لاستخلاص الدروس والعبر، واتخاذ القرارات السليمة على ضوء ذلك.

** أكاديمي إيراني

تعليق عبر الفيس بوك