ركائز بقاء إسرائيل ومُهدداتها

 

د. عبدالله الأشعل **

ما دامت إسرائيل قامت على المشروع الصهيوني وهي دولة مافياوِية وأنها حصلت على عضوية الأمم المُتحدة بالمؤامرة الدولية بين موسكو الشيوعية والغرب الرأسمالي الذي أنشأ إسرائيل وقدم لها الدعم في كل مراحلها، فإنَّ إسرائيل حالة نفسية قامت على أكتاف المُغرَّر بهم ممن يعتقدون أنهم يهود، مع أن اليهود الحق يرفضون قيام إسرائيل أصلًا، وكمشروع سياسي إجرامي، لذلك هناك ركائز لوجود إسرائيل وكلها تسعى إلى توفير الأمان النفسي، ويُفترض أن هذه الحالة ترافق المشروع الصهيوني منذ بداياته حتى الآن، لكن شعورها بالأمن أمر خاص جدًا لا يكاد يوفره أكثر الضمانات وثوقًا وهو أمن يقوم على حساب أمن دول المنطقة الأخرى.

وركائز قيام إسرائيل عديدة نذكر أهمها فيما يلي:

أولًا: الديمقراطية

تزعم إسرائيل أنها صاحبة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهذا صحيح؛ لأنَّ ديمقراطية إسرائيل قاصرة على أطراف العصابة وأعضاء المشروع الصهيوني، ولذلك لا يُقاس عليها، وأوهمت دول المنطقة أنها امتداد للديمقراطية الغربية، وأن وجودها في المنطقة العربية- الدكتاتورية بطبيعتها- يُغيِّر ثقافة الحُكَّام والمحكومين، ولذلك تحرص إسرائيل على أن تكون وحيدة في الديمقراطية والتسلُّح النووي، وترفض رفضًا قاطعًا إقامة الديمقراطية في المنطقة العربية؛ لأنَّ ديمقراطية المنطقة العربية ليست منافسة للديمقراطية الإسرائيلية؛ بل مُهددة لوجودها، ولذلك تحالفت إسرائيل مع القوى المستفيدة من عدم التغيير في المنطقة العربية، وأسهمت في إحباط جميع الثورات العربية منذ عام 2011، وليس صحيحًا أن إسرائيل زُرِعَت فى محيط عربي معادٍ لها، ولذلك مكّنت واشنطن إسرائيل من الهيمنة بالضغوط الأمريكية والإغراءات على النظم العربية، لدرجة أن كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، عبَّرت صراحة في محاضرتها بالجامعة الأمريكية عام 2003 بالقول إن كل العلاقات العربية مع الولايات المتحدة علاقات تبعية، والأصل فيها إرضاء إسرائيل، فإذا كانت العلاقات العربية الإسرائيلية مُرضية لإسرائيل، انعكس ذلك على موقف واشنطن من الدول العربية.

وكشفت ملحمة غزة صدق هذه المقولة ونجاح واشنطن فى تطبيقها، ونكاد نقول إنَّ الحياة لا تتسع للدول العربية، وخاصة مصر وإسرائيل في وقت واحد؛ لذلك فشلت جميع محاولات الأطراف المختلفة للحصول على السلام للجميع والازدهار للجميع، وصممت علاقات المنطقة على أساس أن إسرائيل هي الفائزة في كل مكان.

ثانيًا: القوة

من أهم ركائز إسرائيل، القوة المرافقة للبطش والتنكيل والاذلال، حتى قال نتانياهو إن شرعية إسرائيل تنبع من قوتها. وتفهم إسرائيل القوة على أنها القوة الشاملة (القوة العسكرية والقوة التكنولوجية والقوة الاقتصادية والقوة السياسية)؛ ولذلك فإن اهتزاز الثقة في قوة إسرائيل- خاصة العسكرية- يضرب المشروع الصهيوني في مقتل، ذلك لأن القوة العسكرية هي التى تُؤمِّن المُغرَّر بهم المتعلقين بالحياة والأساطير، من أن إسرائيل تقوم على الأرض الموعودة المقدسة! وأن إسرائيل هي قمة اليهودية، مع أن إسرائيل عنصرية لا علاقة لها باليهودية، غير أن ما يُسمّى برجال الدين اليهودي خاصة "الحاخام الأكبر"، لا يتورع عن التأكيد على أن دعم إسرائيل كمشروع سياسي واجب ديني، ويقرأ عبارات مُؤلَّفة من التوراة المُزوَّرة التي أرشدنا إليها القرآن الكريم. وكأن إسرائيل الصهيونية تُشوِّه صورة اليهودية وقيمها المقدسة؛ مما تعبِّر عنه النظم القانونية المختلفة في جريمة ازدراء الأديان. وهذا مجال خصم لتقديم دعاوى إلى محاكم الدول الغربية التي يُظَن زورًا وبهتانًا أن القضاء فيها مستقل، والدليل على ذلك أن القضاء الفرنسي منذ عدة أيام أصدر حكمًا بحجب مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض باريس للسلاح، ولكن الحكومة الفرنسية بضغط من أمريكا وإسرائيل قد جمدت الحكم القضائي ويعتقد أن المعركة القادمة فى فرنسا تحتدم من جانب المدافعين عن استقلال القضاء الفرنسي ضد التأثير على استقلال هذا القضاء.

ثالثًا: سياسة الإبادة والإذلال والقمع والتجويع والحصار وقمع الفلسطينيين الجائعين المدنيين بعد القضاء على مقومات الحياة لديهم.

رابعًا: ضمان الدعم الأمريكي الذي يصل إلى مشاركة واشنطن مباشرة فى أعمال الإبادة كما نقل عن الرئيس المصري أنور السادات أثناء حرب أكتوبر أنه اتخذ قراره بإنهاء الحرب عندما تدخلت الدبابات الأمريكية فى الحرب بعلاماتها المميزة، وقال فى خطبته فى مجلس الشعب فى 16 أكتوبر 1973 أنه لا يستطيع أن يحارب الولايات المتحدة. وفي كل حروب إسرائيل وعدوانها في المنطقة العربية، كانت واشنطن أسبق من إسرائيل في هذا العدوان،، ولعل هجوم القوات الأمريكية على مصر من قاعدة هويلص الليبية عام 1967 خير دليل على هذه الحقيقة، وأهم دعم تقدمه واشنطن لإسرائيل هو تمكين إسرائيل من الحكام العرب. وقد رأينا نجاح هذه السياسة ونجاعتها فى ملحمة غزة؛ حيث عُقدت القمة العربية الإسلامية بعد مضي 25 يومًا على بدء حملة إسرائيل لإبادة غزة، ولم تُسفِر عن شيء، ذلك أن واشنطن تجعل إسرائيل فوق كل الحسابات وفوق القانون الدولي؛ لدرجة أن واشنطن تُضحِّي بديمقراطيتها وبمركزها في النظام الدولي وترتكب حماقات قانونية من أجل إسرائيل، وكان قانون مجلس النواب الأمريكي الأخير الذى يُهدد قضاة المحكمة الجنائية الدولية بالعقوبات إذا ما اتخذوا قرارًا بالقبض على زعماء إسرائيل العسكريين والسياسيين، علمًا بأنَّ المدعي العام للمحكمة قدَّم طلبا إليها للقبض على زعماء المقاومة، رغم أن بلاغًا واحدًا لم يُقدَّم ضد المقاومة، بينما قَدَّمت كل منظمات حقوق الإنسان ووكالات الأمم المتحدة بلاغات ضد جرائم إسرائيل، وقد استبق المدعى العام للمحكمة قانون مجلس النواب الأمريكي حتى يحظى بالرضا الأمريكي، ويتم التجديد له في العام القادم، وقد رأى بنفسه كيف أن الدكتور محمد البرادعي عُيِّن بترشيح من واشنطن مديرًا عامًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم تم التجديد له ثلاث مرات، على غير العادة، وضد أحكام لوائح الوكالة.

الخلاصة أن واشنطن تقدم لإسرائيل كل صور الدعم لبقائها والتمكُّن من تنفيذ جرائمها وتقدم لها الحماية الشاملة من الضغوط الدولية، كما إن الرئيس جو بايدن اعتبر الاختراق الدبلوماسى الإسرائيلي للعالم العربي، بمثابة الإنجاز الوحيد لإدارته في أربع سنوات!

أما مُهدِّدات إسرائيل ووجودها والمؤثر على قدرتها على ارتكاب الجرائم؛ فهي أولًا المقاومة ومعسكر المقاومة، ولذلك  تستميت إسرائيل لتأمين مستقبلها في المنطقة بالقضاء على المقاومة.

ثانيًا: استقلال الحكام العرب وتوجيه مجهوداتهم لخدمة أوطانهم وتنمية هذه الأوطان والشعوب والاستفادة من مواردها بدلًا من استقطاب الحكام العرب لصالح إسرائيل ضد شعوبهم وأوطانهم.

ثالثًا: اتفاق روسيا والصين وإيران على دعم العالم العربي غير المجمع على العداء لإسرائيل.

رابعًا: مطاردة الصهيونية عربيًا ودوليًا عن طريق تجنيد المجتمعات العربية وتثقيفها ضد الحركة الصهيونية على أساس أنها حركة إجرامية معادية لكل الشرائع السماوية وأن مناهضتها تُعد واجبًا أخلاقيًا ودينيًا وسياسيًا عن طريق إنشاء الجمعيات العربية التي تنشر هذه الثقافة وإصدار التشريعات والمقررات الدراسية في هذا الاتجاه وتجريم الصهيونية داخل المجتمعات العربية وفي القانون الدولي.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا