رحلة إلى السلام الداخلي

 

 

بلقيس الشريقية

في ليلة صيفية هادئة، وبين الجدران الصامتة، تكمُن تلك اللحظات التي يمر بها الإنسان حين يجد نفسه في مواجهة صراع داخلي مؤلم. إنه ذلك الشعور الذي يتسلل ببطء إلى الروح، حيث تتصارع الرغبات المتضاربة وتتشابك الأحلام المتنوعة في مشهد يعبر عن التناقض والتعارض بين ما يتمناه الفرد وما يواجهه في الواقع. هذا الصراع الداخلي هو جزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية؛ حيث يختبر كل شخص في مرحلة ما تلك اللحظات التي يشعر فيها بالعجز عن إشباع كل رغباته في آنٍ واحد. يُظهر علم النفس أن الصراع الذاتي هو ظاهرة اجتماعية تتجسد في عدم التوافق بين رغبتين أو أكثر أو تعارض بين إرادتين. هذا التعارض يؤدي إلى اضطرابات في الشخصية وقلق دائم بشأن اتخاذ القرارات المناسبة.

يتفرع الصراع النفسي إلى أنواع متعددة؛ منها:

* صراع اقتراب - اقتراب

حيث يواجه الفرد خيارات إيجابية متعددة؛ مما يجعله في حيرة من أمره لتحديد الأفضل بينها.

* صراع اقتراب - ابتعاد

الذي ينطوي على خيارات تحمل جوانب إيجابية وسلبية في الوقت نفسه، مما يتطلب اتخاذ قرار قد يكون معقدًا.

* صراع ابتعاد ابتعاد

عندما يجد الإنسان نفسه أمام خيارين سلبيين، ويضطر لاختيار الأقل ضررًا.

* صراع ابتعاد اقتراب

حيث تتصارع الجوانب الإيجابية والسلبية معًا في خيارات متعددة؛ مما يستلزم التفكير العميق لاختيار الأنسب.

وتعود أسباب الصراع الذاتي إلى عدة عوامل؛ منها: الخوف من المستقبل وما يحمله من غموض وتحديات. كذلك، فإن الضغوط الخارجية ومحاولات الآخرين التدخل في حياة الفرد وأفكاره تسهم في زيادة حدة هذا الصراع. ولا يمكن إغفال دور الحيرة والكبت النفسي في تأزيم الوضع، حيث يجد الإنسان نفسه عاجزًا عن اتخاذ قراراته بحرية.

ولتجاوز هذا الصراع، ينبغي على الفرد مواجهة الأسباب الكامنة وراءه بجرأة. يمكن البدء بمواجهة الأفكار السلبية خطوة أولى فعالة تليها وضع أهداف واضحة  ومناسبة  تتوافق مع تطلعاته. والتحرر من قيود الماضي هو أيضا عنصر مهم و أساسي في عملية الشفاء النفسي. حيث يساعد الفرد على المضي قدمًا دون أن تُثقل كاهله الذكريات السلبية.

التفاعل الإيجابي مع الآخرين يشكل دعامة قوية في هذه الرحلة؛ إذ يعزز من شعور الفرد بالانتماء ويمنحه القوة لمواجهة تحديات الحياة. وبمرور الوقت، تتشكل العزيمة والإرادة كأدوات حاسمة في محاربة القلق والتوتر، حيث يدرك الفرد أن التصالح مع الذات هو السبيل لتحقيق الراحة النفسية.

وفي النهاية، يصبح الصراع الداخلي درسًا مهمًّا في الحياة، يعلِّم الإنسان أن السلام الداخلي ليس شيئًا يُمنح بل هدف يُسعى لتحقيقه. بالإرادة القوية والصدق مع الذات، يمكن للفرد أن يصل إلى حالة من الرضا النفسي، مستعدًا لمواجهة المستقبل بثقة وتفاؤل.

تعليق عبر الفيس بوك