عندما نكتب!

 

 

سارة بنت علي البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

نحتاج للكتابة عندما تفيض أحاسيسنا وتسيل كسيل الدم الزائد، وإن لم يخرج ربما يحدث في أجسادنا مشكلة أخرى؛ لذا نحتاج أن نكتب كثيرا؛ فالكتابة تخرجنا من جو الرتابة الذي يعيشه أغلب البشر الذين يقفون في صف بعيد وينظرون للكاتب على أنه كائن قديم متقوقع بذاته وليس مثلهم، بينما الكاتب هو من يُعطي الحياة نورا عندما يخط ويكتب ويخرج هذه الأحاسيس التي تدور في مخيلته وتدور في العالم، يصوغها ويرتبها كصياغة خنجر عمانية سعيدية أو صياغة خاتم رصع بأحجار كريمة ولآلئ نادرة، فتظهر تلك الفكرة على هيئة كتابة أيًّا ما كان نوعها وحسها وطريقة بنائها وتوظيف مفرداتها بحروف اللغة العربية الفصحى.

إنَّنا ونحن نكتب للوطن نعيش حالة من الارتباط الروحي الذي يملأ قلوبنا وحياتنا، ومن نحن فنحن نخط الوطن ونرسم الخريطة ونحدِّد الرموز وننتقي بعناية الألوان والمفردات والقوافي لنصبح من كتابتنا نموذجًا مهمًّا لكل كاتب جديد.

يكتُب الطباخ كتاب الطبخ بحس لا يشبه كتابة الجغرافي الذي يكتب لنا بطريقة مختلفة تماماً، والذي يهتم بالتضاريس والبراكين ورحلة هجرة الشعوب من وإلى في صورة قريبة للكاتب التاريخي الذي رسم نجمة عالية وشكل تفاصيلها بعناية ودقة عالية جدًّا واختار حدودها الدقيقة التي لا تُرى بالعين المجردة، بل تحتاج لمنظار.

هكذا هم الكُتَّاب يرون بُعدا آخر ويوصلون صورة مُعينة واضحين جدا، وما في عقولهم في أوراقهم، فهم لا يحبون التصنع ولا يجيدون ارتداء البدلات السوداء الأنيقة تلك التي يرتديها الممثلون في هوليود وبوليود وغيرها، فوضوحهم يجعلهم أناسًا بسطاء جدًا، وقوافيهم تعبر عن مكنونات العالم بداخلهم، وأمواج عباراتهم هي بحر من الحديث الساحر الذي يبعث في النفس شعور الحب والعاطفة والسكينة والهدوء والسلام.

عند أي حدث، تجد الكتاب أوَّل المعقبَّين، وعند أول خبر تقف بانتظار الكاتب الفلاني: ما هي وجهة نظره؟ وكيف يرى بُعد الأمور والأحداث؟ وربما تختلف نظرة الكُتَّاب عن بعضهم البعض، إلا أنَّ هناك نقاطًا مشتركة يتفق عليها الجميع دائما؛ كونهم يرون بمنظار لا يراه أي شخص آخر، ولولا تمسكنا بالكتابة لعشنا عالم السرعة الذي جعلنا مختلفين تماما وتافهين جدا ومفبركين للفت الصورة؛ من خلال ترويج إعلاني مفبرك، أو حادثة ما، وكل هم مقتاتو الشهرة هو الظهور سواء كان ظهورا كاذبا أو ساحبا للأضواء، حتى وإن كان خبرا لم يتعب بصياغته ولا كتابته، وهذا ما نراه ونتأسف عليه بشدة؛ فالناقل أصبح متابعًا وكل ما ينقله حديث المجتمع فيقال عنه إن فلان كتب وفلان أخبرنا أو رأينا بحساب فلان هذا الخبر، بغض النظر عن مصداقيته أو الطريقة التي نقل بها الموضوع. أما عن عملية النسخ واللصق فأصبحت كثيرة لا تُعد ولا تحصى بدون تأكد ولا اتباع الدقة في توصيل المعلومة للطرف الآخر بشكل صحيح، إنما الموجة تتسع لمتسلقين كثر ولمتصنعين أكثر، ويبقى الكاتب الحقيقى هو صاحب الفكرة وليس بالضرورة أن يكون هناك ناقلون محتالون يسرقون كلمات الآخرين ليصنعوا منها "ترند" أو بحثا عن "مشاهدات"، ولا يهم إن كان الخبر صحيحا أم كاذبا، المهم أنه خبر يغطي له الحيز الذي يتابعه الناس من خلاله، وقد كثُر متصنعو الكتابة وناقلو الأخبار ومتربصو الترندات الوهمية وغيرهم الكثير.

إنَّ الكتابة الحقيقية والتي تحمل كل معاني السمو والأدب والثقافة والفكر والمعرفة هي التي تخرج من صميم كاتب مُحنَّك يُشار إليه بالبنان. أما النسخ واللصق فأصبح عُشَّاقه كُثر لأنه السلعة الرخيصة التي تتيح لمتسلقي الإبداع الظهور المؤقت.