السفر وكسر رتابة الحياة

 

مدرين المكتومية

حلاوة الدنيا وحب الاستطلاع والتنقل والمغامرة والتعرف على عادات وتقاليد الآخرين والحديث معهم والاستئناس بآرائهم، كل هذه المصطلحات تمنحك السعادة بمجرد قراءتها، فما بالكم إذ طبقها الإنسان في حياته.

ما أجمل الإنسان عندما ينفتح على ثقافات الآخرين وعاداتهم وتقاليدهم، وما أوحشه عندما يحبس نفسه داخل إطار واحد، وكأنَّ الدنيا ضيقة لا تتسع إلا له، وكأنَّ هذا الكون الفسيح لا يوجد فيه ما يعجبه أو يلفت انتباهه.

إن السفر يمنحنا دائماً متعة اكتشاف أنفسنا أولا واكتشاف طاقاتنا واكتشاف حياتنا الحقيقية، ويعطينا فرصة للتعرف على ذواتنا عن قرب، وفي السفر نجد المساحة الخاصة التي تجعلنا نخرج من كل الضغوط التي نحملها على أكتافنا، ونخرج من إطار التعقيدات والروتين ورتابة الحياة ودائرة الحياة التقليدية التي ندور فيها يومياً دون تغيير.

إننا بحاجة لأن نسافر لأننا وبكل بساطة نستطيع أن نكتشف قيمة المتع الصغيرة، أن نجرب المواصلات العامة بدلاً من ركوب سياراتنا الخاصة، أن نتشارك المقاعد مع غرباء لا نعرفهم، أن نجري بين الازدحامات لنقف في طابور لأحد المقاهي الذي يبيع البوظة، أن نعيش لحظة احتساء فنجان قهوة من أجل المُتعة لا من أجل كسر حاجز الكسل، نحتاج دائمًا أن نرى العالم بحقيقتنا وبما نريده نحن بعيداً عن كل شيء آخر.

كل إنسان منَّا يبحث عن الهرب نحو أماكن جديدة وبعيدة لا يربطه بها أحد، وفي كثير من الأحيان هناك من يهرب ليبدأ من جديد، وهناك من يبحث عن نفسه ويكتشفها، وهناك من أضاع أحدهم وسافر ليبحث عنه، وهناك من يسافر لفترة علاج، وهناك آخرون مهووسون بالسفر، والمشترك في كل ذلك أنَّ من يسافر يرى في نفسه شخصًا آخر مختلفا عن الشخص الذي يعرفه.

إننا نُسافر لأغراض مختلفة، لكننا في النهاية نستمتع باللحظات التي تمر علينا كالحلم، فعلى سبيل المثال هناك الكثير من الدول التي تشعرك وكأنك هارب من لوحة فنية من روعة المكان وخضرته، فبمجرد أن تكون تحت تأثير الطبيعة والبحيرات والطقس الجميل فأنت بالطبع تصبح شخصا آخر يشعر بشعور غريب لا تود أن يغادرك من فرط الراحة والسكينة، وتود لو أنَّ الحياة تبقى بهذا "الرتم" ولا تتغير، تتمنى ألا تخرج من إطار هذه اللوحة الرائعة، فالعالم الروتيني موحش للغاية ومرهق في كثير من الأحيان.

هناك الكثير من الأشخاص ممن يجهلون أنَّ السفر ليس فقط فكرة للرفاهية، وإنما فكرة لعلاج الذات والنفس من الشوائب التي تسطو عليها، وهي فكرة أيضاً للعلاج وتفريغ العقل من كل الضغوط التي يمارسها الشخص على نفسه في هذه الحياة، هي الرحلة العلاجية للكثير من التفاصيل العالقة بالرأس، أعتقد أننا إذا فكرنا بطريقة عميقة نحو الأشياء وبذهن صاف نستطيع أن نختبر مدى قدرتنا على تقديم حلول واقعية وصحيحة، ويمكننا أيضاً أن نقدم لأنفسنا الكثير من الأفكار الإيجابية.

أعتقد أنَّ إيجابية الشخص تأتي من مدى قدرته على تحويل الأشياء لصالحه، ومدى قدرته على أن يُعطي لكل شيء حقه، وعلى قدرته على التكييف مع كل الظروف، ولكن الأهم من ذلك هو قدرته على عمل تحديث مُستمر لحياته بعدة طرق أهمها من وجهة نظري هو طريق السفر.