عُمان فوق كل الفتن

حاتم الطائي:

 

◄ لم يرصد التاريخ الحديث يومًا تورُّط مُواطن عُماني في عملٍ إرهابي داخل أو خارج الوطن فذلك يتنافى وقيمنا وعاداتنا المُتجذرة

◄ "حادثة الوادي الكبير" عابرة وفشلت قبل أن تبدأ.. حتى "أهدافها الدنيئة" قُطِعت رأسها قبل أن تصعد إلى السطح

◄ الرؤية الاستشرافية لجلالة السُّلطان حول مخاطر شبكات التَّواصل نهجٌ ينبغي أن نمضي على خطاه ونستمسك بعُروته الوثقى

◄ عُمان وطن يعيش في قلب كل مُواطن ومواطنة.. والجميع يدين بالولاء والعرفان للقائد المُفدى ولثرى هذه الأرض الطاهرة

◄ الحادث يُؤكد أن عُمان تدفع ثمن مواقفها في مناصرة الحق الفلسطيني في مواجهة المُحتل الصهيوني القاتل البغيض

◄ ستظل عُمان عصية على الفتن أبية وعزيزة.. ديدنها التسامح وجوهرها التعايش ونسيجها لُحمة وطنية صلبة

 

لطالما يَضربُ شعبُنا العُماني الأصيل أروعَ الأمثلة في اللُحمة الوطنية، ويرسم بكل إخلاص أصدق الصوَّر المُعبِّرة عن التكاتف والتآزر والوقوف صفًّا واحدًا كأنهم بنيان مرصوص، ليس فقط في أوقات الأزمات والمِحن؛ بل في كل وقت وحين.. وخلال الأسبوع الماضي برهن هذا الشعب الطيب الأعراق، النقي الصفات، أنَّ عُمانَ أرضٌ طيبةٌ تسمو فوق محاولات بث الفتن أو نشر سموم الكراهية أو اختلاق صورة مُزوَّرة عن وطنٍ يُجسِّد منذ القِدم المعاني الحقيقية لقيم التسامح والتعايش والتآلف.

لا ريب أن مجتمعنا الطيب المتسامِح -حتى مع خصومه، من منطق العفو والتسامي عن الأخطاء- قد هالته صدمة حادثة الوادي الكبير، خاصة بعد إعلان الجهات المختصة أن الجُناة 3 عُمانيين إخوة، فكيف لثُلة من الشباب ترعرعوا فوق هذا التراب الطاهر، أن تتغلغل إلى عقولهم الأفكار الضالة والهدّامة والإقصائية، وأنّى لهم أن يُغرَّر بهم ليقعوا في براثن الشيطان، ولماذا يقع هذا الحادث في بلادنا وفي هذا التوقيت؟ أسئلة سنسعى لطرح أجوبة تحليلية عليها، علّنا نصل إلى نتائج تضيء لنا الطريق، وتُخبرنا بتأويل ما جرى!

الوقائع تُؤكد أن عُمانَ وطنٌ يحظى بفضل قيادته الحكيمة وسياسته المُتزنة ونهج الحياد الإيجابي، بأعلى مُعدلات الأمن والأمان، وينعم فيه المواطن والمُقيم بحرية مُمارسة الشعائر على اختلاف الأديان وتعدُّدها، وأنه لم يرصد التاريخ الحديث يومًا أن تورط مواطن عُماني في عمل إرهابي داخل أو خارج الوطن؛ لأنَّ ذلك يتنافى مع القيم والعادات والتقاليد العُمانية الأصيلة المُتجَذِّرة في نفوسنا جميعًا، لا سيما وأننا في عُمان نهنأ بالتسامح والتعايش بين مختلف المذاهب والأديان، والجميع يُمارس شعائره بكامل الحرية، ويحمي هذه الممارسة النظام الأساسي للدولة والقوانين المُنظِّمة، حتى إن عُمان يُشار إليها بالبنان بين مختلف دول المنطقة والعالم على أنها واحة أمن وأمان، وينبوع التسامح والتعايش، ولؤلؤة التفاهم، ودُرّة الوئام.

عُمان وطنٌ يتصدر دول العالم في انعدام الإرهاب والأفكار الضالة، فعلى مدى سنوات تحصل بلادنا على "صفر إرهاب"، في شهادة دولية على أن أرضنا الطيبة تلفظ التطرف والعنف والمذهبية وإقصاء الآخر، كما إننا نحتل مراكز الصدارة بين دول العالم في العيش الآمن للأجانب؛ حيث صُنِّفت مدن السلطنة على أنها الأكثر تفضيلًا للأجانب للعيش فيها، ولا شك أن هذا التفضيل نابع من إدراك الآخر أنه سيجد في عُمان الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان، وأن الشعب العُماني من أكثر الشعوب ترحيبًا بالزوّار والأجانب، وأن الضيافة العُمانية الأصيلة سِمَة مُتجذِّرة في شخصية الإنسان العُماني المعروف عنه الكرم والعطاء ومودة الآخر.

لذلك عندما نتأمل هذا الحادث الذي لم تشهده بلادنا على مر العصور، نتأكد أن ثمّة خللٍ ما وقع، وأن ما يحدث من حولنا في المنطقة والعالم بأسره من اضطرابات جيوسياسية وصراعات وحروب وقلاقل، قد ألقى بظلاله على واقعنا الداخلي، غير أننا في الوقت نفسه يجب أن نُدرك أن انعكاسات هذه الاضطرابات وغيرها، لم تكن مؤثرة بالدرجة التي قد يعتقد البعض خطأً أن الجينات العُمانية قد أصابها التغيُّر أو الاضطراب؛ بل إن هذه الانعكاسات لم نلحظها إلّا من خلال هذا الحادث العابِر. وهُنا نحن لا نُقلِّل من شأن ما حدث، غير أن الحقيقة التي يكره الحاقدون لوطننا سماعها، هي أن هذا الحادث عابرٌ بالفعل، وفشل قبل أن يبدأ، وأخفق الجُناة ومن غرَّر بهم في تحقيق أي مآرب.. فمثلُ هذه الحوادث لا تهدف إلى سفك الدماء البريئة وحسب؛ بل عادةً ما يكون هدفها الأشد خبثًا وإجرامًا، إحداث صدعٍ بين مكوّنات المُجتمع، أو إشعال نيران الفتنة الطائفية والمذهبية، أو تكدير الأمن العام، أو نشر الخوف والهلع بين صفوف المجتمع، وتقديم صورة خاطئة عن البلد.. غير أنَّ أيًّا من هذه الأهداف لم يتحقق، وباءت الحادثة بالفشل الذريع، ووُئِدَت الفتنة قبل ميلادها، وقُطِعَت رأسها قبل أن تصعد إلى السطح، وكُلُّ ذلك بفضل يقظة وقوة وشجاعة رجال الأمن المُخلِصين، العين الساهرة التي لا تنام، حُماة الحق في أزمنة التضليل، وحُرّاس المبادئ الذين يُضحّون بكل غالٍ ونفيس من أجل أن يحيا هذا الوطن في عِزة وكرامة، وأن يظل جنَّةً آمنةً مُطمئنة، في قلب منطقة يُراد لها أن تظل فوق صفيح ساخن، تتلاطمها أمواج الغضب والكراهية والحروب والصراعات.

وعندما نعود إلى الأسئلة التي طرحناها في مُستهل هذا المقال، نقول إنَّ تأثُّر حفنة من الشباب، لا تتجاوز أعدادهم أصابع اليد الواحدة، يُؤكد أن عُمان ما تزال- ولله الحمد- في منأى عن أي استقطاب طائفي أو مذهبي، وأن انزلاق أحدهم إلى غيابات الفكر الضال المُضلِّل، يجب أن ننظر إليه على أنه أمر غير مُستبعد، في عصر السماوات المفتوحة، وفضاءات الإنترنت التي لا تحدُّها حدود ولا تُقيدها قيود؛ بل تتغول في كل بيت وكل غرفة وكل عقل في هذا العالم، وعُمان ليست في معزل عن محيطها لا الإقليمي ولا العالمي، وقد يبدو بديهيًا أن يتأثر البعض بأي أفكار حادة أو مُتطرفة، وهذا ما يدفع بمؤسسات الدولة المعنية أن تُكثِّف من جهود تعزيز الوعي بالمخاطر الثقافية والفكرية المُحدِّقة بنا وبكل المجتمعات، لا سيما تلك التي تعج بها شبكات التواصل الاجتماعي.

وقد مثَّلت الرؤية الاستشرافية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- لمخاطر شبكات التواصل، نهجًا ينبغي أن نمضي على خطاه ونستمسك بعُروته الوثقى، فقد حذَّر جلالته- أعزه الله- قبل أكثر من عامين، من خطر الفضاءات المفتوحة، حين قال: "تربية الأبناء لا تتم عبر شبكات التواصل.. تربية الأبناء هي جزء من أصل المجتمع العُماني، عندما يتشرّب أبناؤنا عاداتنا وتقاليدنا والتمسُّك بالأسرة والمجتمع، يكون ذلك سبيل نجاح المجتمع"، كما أكد جلالته أن التقنيات الحديثة "أصلها خدمة البشرية.. لكن مع الأسف استُغلت بطريقة سلبية جدًا وأثّرت على النشء، ليس في بلدنا لكن في كل أنحاء العالم"، لذلك أسدى جلالته النصح لكل عُماني وعُمانية حين قال: "علينا أن نُحافظ على إرثنا وعلى ترابطنا الأسري، وعلى تربية أبنائنا وبناتنا التربية الصالحة.. لأن بناء الأوطان هو من بناء الشباب".

فما أبلغ هذه الرؤية السامية السديدة، التي استشرفت المخاطر الناجمة عن سوء استخدام التقنيات الحديثة وعلى رأسها الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وهذه الأخيرة بكل أسى وأسف تمثل بؤرة خبيثة وبيئة خصبة للغاية لنشر التطرف والأفكار الضالة.

الحادث أيضًا يؤكد أن عُمان تدفع ثمن مواقفها في مناصرة الحق الفلسطيني، في مواجهة المُحتل الصهيوني القاتل البغيض، الذي يمارس أبشع صور الإبادة الجماعية. ويكفي عُمان فخرًا وعِزة أنها أول دولة في العالم دعت إلى محاكمة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه الشنيعة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة. كما إن عُمان التزمت نهجًا أصيلًا يعكس تمسُّكها الصلب بثوابتها الراسخة، إزاء نُصرة المظلوم، فكانت وما زالت شوكة في حلوق المُجرمين الذي ينفذون جرائم الإبادة وجرائم الحرب. لذلك حاول شياطين الإنس أن يبثوا سموم الفتنة وأن ينالوا من الشعب العُماني المُتّحِد خلف قيادته الحكيمة.. لكنَّ هيهات هيهات، إنْ هي إلّا أضغاث أحلام ومحض تُرَّهات، لا مكان لها في أرض العِزة والكرامة، أرض الوئام والتسامح، الوطن الذي يحتضن كل من يعيش على ترابه، ويسمو فوق الفتن؛ بل ولا تنال منه إلّا كما تنال الإبرة من مياه البحر!

ويبقى القول.. إنَّ عُمان وطنٌ يعيش في قلب كل مُواطن ومُواطنة، والجميع يدين بالولاء والعرفان للقائد المُفدّى جلالة السلطان المعظم- أيده الله ونصره- وكُل ذرة تراب من هذه الأرض الطاهرة، أغلى من كنوز الدنيا، والذود عن حياض الوطن مسؤولية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأمانة في أعناق المُخلصين الذين لا يتوانون عن التضحية بأرواحهم فداءً للوطن، ولكي يحيا كل إنسان على ترابه في أمن وأمان..

ستظل عُمان عصيّة على الفتن، أبيّةً وعزيزةً، كريمةً وأصيلةً، ديدنها التسامح، وجوهرها التعايش، ونسيجها لُحمة وطنية صلبة، تزدهر وتتقدم نحو مرافئ الخير والسؤدد، خلف قيادة عظيمة سامية، حكيمة وشامخة، وسيظل أبناء عُمان أوفياء أنقياء، يحيون في وئام وانسجام دون شقاق ودون فِتن.

حفظ الله عُمان وقائدها المُفدّى وشعبها الأبِيّ.