خريج بلا أمل منذ 2009

 

 

سلطان بن محمد القاسمي

تبدأ رحلة التعليم منذ الطفولة؛ حيث يخطو الطفل أولى خطواته في عالم المعرفة، بدءًا من الروضة، مرورًا بالمرحلة الابتدائية، ثم الإعدادية والثانوية. حيث يواجه الطلاب خلال هذه المراحل تحديات عديدة، لكنهم يستمرون في سعيهم لتحقيق أحلامهم. وعند الانتهاء من المرحلة الثانوية، يتجه الطلاب إلى التعليم العالي، حيث يختارون التخصص الذي يأملون أن يكون بوابتهم لمستقبل مهني مشرق.

وتعدُّ مرحلة التعليم العالي من المراحل الحاسمة في حياة الطلاب؛ حيث يتخصصون في مجالات معينة ويكتسبون المعرفة والمهارات اللازمة لدخول سوق العمل. لكن هذه الرحلة التعليمية التي تستغرق سنوات من الجهد والدراسة لا تضمن دائمًا وظيفة مضمونة بعد التخرج. حيث يعاني العديد من الخريجين من عدم وجود الوظائف، خاصة في التخصصات التي لا تحظى بفرص توظيف كبيرة مثل علم الاجتماع.

وهنا أقصُّ عليكم قصة شاب عُماني طموح، تخرج في العام 2009 من جامعة مرموقة حاملاً شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع. حيث كان ينظر إلى المستقبل بعينين متلألئتين بالأمل، ويرى في نفسه القدرة على المساهمة في بناء مجتمعه وخدمة وطنه. كانت تلك اللحظة التي حصل فيها على شهادته مليئة بالفخر والاعتزاز، لم يكن يعلم حينها أن الطريق أمامه سيكون مليئاً بالعقبات والأشواك.

فمنذ تخرجه، بدأ هذا الشاب رحلة طويلة وشاقة في البحث عن عمل، وقدم طلبات لا تُحصى إلى مؤسسات مختلفة، سواء كانت تلك الوظائف معلنة أو غير معلنة. كما خضع للعديد من الاختبارات والمقابلات، لكن النجاح كان دائماً بعيد المنال. فكلما ازداد عدد المتقدمين لكل وظيفة، ازدادت صعوبة المنافسة، وأصبحت الفرص تتلاشى أمام عينيه كسراب في صحراء قاحلة.

مرَّت سنوات طويلة وهو يحاول بجد وإصرار العثور على وظيفة تليق بمؤهلاته. وفي كل مرة كان يعود إلى بيته بخيبة أمل جديدة، كان يرى في عيون أسرته نظرات القلق والحزن، حيث تعب والديه وأفراد أسرته في دعمه مالياً ومعنوياً لتحقيق حلمه في الحصول على شهادة جامعية. كانوا يأملون أن يروا ابنهم موظفاً ناجحاً، قادراً على دعم نفسه والمساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي للأسرة. لكن بدلاً من ذلك، وجدت الأسرة نفسها مضطرة لمواصلة دعمه في ظل ظروف معقدة وصعبة.

كان هذا الشاب يتساءل دوماً: ما ذنبي؟ ما ذنب أسرتي التي استثمرت كل ما لديها في تعليمي؟ كان يشعر بأن السنين تمر سريعاً، وكل يوم يمر يزيد من شعوره باليأس والإحباط. كان يرى أقرانه الذين تخرجوا في نفس الفترة وهم يحصلون على وظائف جيدة ويحققون نجاحات، بينما هو ما زال يبحث عن فرصة لتحقيق أحلامه.

ومع مرور الوقت، بدأت فكرة البحث عن عمل خارج عمان تراوده. ورغم أنه كان يأمل أن يخدم وطنه ويسهم في تطوير مجتمعه، إلا أن الواقع القاسي دفعه إلى التفكير في الاغتراب. حيث بدأ في تقديم طلبات للعمل في الدول المجاورة، لكنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة. البحث عن وظيفة في بلد غريب ليس بالأمر السهل، ويزيد من شعوره بالإحباط والظلم.

كانت المعاناة لا تقتصر على الجانب المهني فقط، بل تجاوزت ذلك إلى الجانب الشخصي والنفسي. فقد كبر هذا الشاب وأصبح عمره يتقدم دون أن يرى أي تقدم في مسيرته المهنية. أصبحت الحياة بالنسبة له سلسلة من المحاولات الفاشلة والآمال المحبطة. كان يتساءل عن مستقبله ومستقبل أسرته التي تعبت وضحت من أجله. كيف يمكن أن يستمر في هذا الطريق المليء بالمعاناة؟ وما هو الأمل الذي يمكن أن يتمسك به؟

لم يكن الشاب وحده في هذه المعاناة، فقصته تعكس حال العديد من الشباب العماني الذين يواجهون نفس التحديات. إنهم يعانون في صمت، يبحثون عن فرص تليق بمؤهلاتهم وأحلامهم، لكن الواقع غالباً ما يكون قاسياً وظالماً. هذه القصص تجسد صوت جيل كامل يحتاج إلى دعم حقيقي من المجتمع والحكومة.

وعليه، ومن هذا المنبر أناشد الجهات المعنية في عمان أن تأخذ بعين الاعتبار الحالات الفردية مثل حالة هذا الشاب والعمل على إيجاد حلول مخصصة تلبي احتياجاتهم الفعلية. يجب أن تكون هناك مبادرات حكومية وشراكات مع القطاع الخاص تهدف إلى تحديد وتوظيف هؤلاء الخريجين في مجالات تتناسب مع مؤهلاتهم. يجب أن يتم إنشاء برامج دعم موجهة خصيصاً لهؤلاء الذين يعانون من البطالة طويلة الأمد، وتقديم الاستشارات المهنية والدعم النفسي لهم ولأسرهم.

كما يجب على المؤسسات التعليمية مراجعة وتحديث برامجها الأكاديمية لتتوافق مع احتياجات سوق العمل المتغيرة، والعمل على إنشاء روابط أقوى مع الشركات والمؤسسات لتوفير فرص تدريبية وتعليمية تلبي احتياجات تلك الشركات. هذا من شأنه أن يقلل الفجوة بين ما يتعلمه الطلاب وما يتطلبه سوق العمل، وبالتالي تحسين فرص التوظيف لهم بعد التخرج.

وفي الختام.. يجب أن ندرك أن هذه المشكلة ليست فقط مشكلة فردية تخص الخريجين الذين يعانون منها، بل هي مشكلة مجتمعية تتطلب تضافر الجهود لحلها. كما يتطلب الوضع الراهن تضافر الجهود أيضا بين الحكومة والمؤسسات التعليمية والشركات لتحقيق حلول مستدامة وفعالة. هذا التعاون هو السبيل لضمان مستقبل أفضل للشباب العماني، مما يمكنهم من تحقيق أحلامهم والإسهام في بناء وطنهم. إن تطبيق هذه الجهود بشكل جدي يمكن أن يحدث تغييراً إيجابياً، ويوفر الدعم اللازم للشباب لتحقيق طموحاتهم المهنية والاقتصادية، وتعزز من فرصهم في سوق العمل داخل وطنهم، مما يخلق بيئة متكاملة تحقق النماء والتطور المستدام للمجتمع العماني بأسره.