علي بن مسعود المعشني
Ali95312606@gmail.com
كَتَب الرئيسُ الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون كتابه الشهير "نصر بلا حرب"، والذي أوضح فيه ما يعتقد أنها الإستراتيجية المُثلى لبلاده للسيطرة على العالم دون الحاجة لإطلاق رصاصة واحدة.
وقد لخَّص الرئيس نيكسون إستراتيجيته في نقطتين:
- الأولى: تشويه سُمعة البلد المُستهدف، وتعبئة الرأي العام الأمريكي والدولي ضده، وتهييج الوسط الشعبي داخله بما يهزُّ قوته وسيطرته السياسية والإدارية في الداخل وصورته في الخارج.
- الثانية: حشد أكبر قدر مُمكن من الجيوش والأساطيل الأمريكية والاستعداد للحرب؛ بحيث يدخل في عقل البلد المقصود أن الحرب واقعة لا محالة، وأنَّ النصر على الولايات المُتحدة بكل إمكاناتها العسكرية والاقتصادية والتقنية أمرٌ مستحيل، عندئذ يستسلم الهدف ويتحقق النصر من دون حرب. وتحدث عن الصين كمَارِدٍ نائم يجب ألا يتم إيقاظه، كما قال نابليون بونابرت.
الأمريكان بطبيعة الحال ينامون على نظرياتهم ويفتنون بها إلى حد الثمالة، وبالنتيجة ترحيلهم لتلك النظريات وإعادة استخدامها مرارًا وتكرارًا دون مراجعة أو تقييم أو الاحتكام للغة الزمان والمكان. لهذا؛ فهم ما زالوا يرجون الانتصارات بلا حرب، وكما خطط وحلم نيكسون، رغم الكم الهائل من المُتغيرات حولهم.
فاليوم، نجد الأمريكي يحاول إعادة إنتاج الكيان الصهيوني وترميمه وجبر ضرره، بعد أن بَان عواره وهزاله في طوفان الأقصى، ولكن هذه المرة عبر نصر سياسي يُلزم به من يعتبرهم حلفاء له في المنطقة، بتوزيع أدوار سياسية عليهم لإبطال مفاعيل الهزيمة العسكرية النكراء للكيان ورعاته من قبل فصائل المقاومة.
التطبيع والهرولة نحو الكيان ستكون الخطوة الأولى في إستراتيجية "النصر" التي يسوقها الأمريكي اليوم، والتطبيع سيتبعه انفتاح سياسي واقتصادي وسياحي على الكيان، ثم تأتي الخطوة الأهم وهي التكتل العربي ضد تيار المُقاومة وفصائلها.
وهذا التكتل سيبدأ سلميًّا، ثم تتبعه خطوات أخرى قد تصل إلى المواجهة والصدام العسكري بين نُظم التطبيع وفصائل المُقاومة، بالنيابة عن الأمريكي والكيان الصهيوني وبدعم ومُباركة منهما.
فالغرب اليوم أدرك أنَّ نظرية الرئيس نيكسون قلبها الواقع المُعاش إلى "حرب بلا نصر"، وبمقتضى هذا الواقع المُر صار لزامًا عليه البحث عن صيغة نصر تطيل عمر الكيان وتعزز من عمره الافتراضي وثباته في معركة الوجود.
يمتلك الأمريكي اليوم أوراقًا كثيرة ومؤلمة لتحقيق نصر سياسي للكيان في معركته الوجودية؛ وذلك بتهديد وجود المترددين ممن يسميهم حلفاء في المنطقة بضرورة الانصياع لمخططه والتهافت نحو التطبيع، ومن أكبر هذه الأوراق وأخطرها، السطو على أموالهم وأصولهم تحت أي ذريعة، والحصار الاقتصادي الشامل بما فيه التحويلات المالية، كما هي حال تجاربه مع إيران وليبيا وسوريا والعراق.
وتبقى فصائل المقاومة في خيارات أوسع وأرحب طالما اتسعت جغرافياتها وعتادها وعددها، وطالما المد الدولي يتسع لمناصرتها، وطالما الهيمنة الأمريكية في أفول تدريجي متسارع.
فمُخالفة الكيان الصهيوني اليوم لعقيدته العسكرية ولنظرية الحروب الخاطفة، وتعمُّده إطالة عمر الحرب على غزة، تهدفُ إلى هندسة اليوم التالي للطوفان، وجعله مُربحًا له ولرعاته من خلفه.. والله غالب على أمره .
قبل اللقاء: "من الغباء أن تستخدم نفس الأدوات دائمًا، ثم ترجو نتائج مختلفة في كل مرة".
وبالشكر تدوم النعم....،