خبير تقني يفند لـ"الرؤية" 3 حلول ضرورية لتعزيز كفاءة الاستخدام

هل تتحول مراكز البيانات إلى "غول" يلتهم موارد الطاقة لدينا؟

 

 

◄ مراكز البيانات ستحتاج إلى طاقة تعادل استهلاك الهند للكهرباء بحلول 2023

◄ برامج الذكاء الاصطناعي تستهلك 10 أضعاف الطاقة التي تحتاجها محركات البحث

◄ تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي يتطلب كميات هائلة من العمليات الحسابية المستهلكة للطاقة

◄ تطوير البُنى الأساسية المستدامة ضروري لتقليل الاستهلاك.. وتحسين "الشبكات العصبية" مهم

 

 

يؤكد مختصون أن مراكز البيانات التي تدير تطبيقات الذكاء الاصطناعي تستهلك كميات طاقة مهولة؛ إذ إن استهلاك 7000 مركز للكهرباء يتجاوز إجمالي إنتاج الكهرباء في إيطاليا خلال عام كامل على سبيل المثال. وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، ظهرت تحذيرات من نمو غير مسبوق في استهلاك الكهرباء، وذلك في الوقت الذي يُعاني فيه 760 مليون شخص من الحرمان من الكهرباء مما يشكل معضلة جديدة يجب أن يتعامل معها العالم وبشكل صحيح. وبحسب الإحصائيات، فإنه بحلول عام 2034 ستحتاج مراكز البيانات طاقة تعادل استهلاك الكهرباء في الهند وهي ثالث أكبر مستهلك للكهرباء في العالم، كما أن تجهيز نموذج كشات جي بي تي 3 يتطلب بحسب بعض التقديرات طاقة تعادل مشاهدة Netflix لمدة 185 سنة.

الرؤية - سارة العبرية

 

ويقول الدكتور رامي شاهين أمين عام جائزة الذكاء الاصطناعي العالمية ومستشار شركة 4future في السلطنة، إن استخدام أنظمة عصبية مثل chatGPT وFALCON  وغيرها يتطلب تقريباً 10 أضعاف الطاقة التي تحتاجها محركات البحث مثل Google Search، مضيفا: "معالج رسومي واحد قد يستهلك ما يقارب معدل استهلاك منزل واحد خلال يوم، وهنا تكمن أهمية القدرة التشغيلية أو الإنتاجية والتي تعني معدل استخدام الطاقة لعمليات الخاصة بتدريب واختبار الدقة، بالإضافة إلى بنية تحتية متكاملة ومنظومة تبريد عالية الكفاءة حتى تتمكن المعالجات من العمل دون ارتفاع في درجة الحرارة".

د. رامي شاهين.jpeg
 

ويشير- في حوار لـ"الرؤية"- إلى أن هناك ثلاثة أسس لتقليل درجة استهلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي للطاقة، وهي كفاءة النموذج وتحسين الخوارزميات وتطوير البنية التحتية المستدامة، إذ تتمثل كفاءة النموذج في تصميم نماذج الذكاء الاصطناعي بحيث تكون أكثر كفاءة من حيث الطاقة، مع تقليل الحجم والتعقيد دون التضحية بالأداء، أما تحسين الخوارزميات فيتضمن تطوير وتحسين الخوارزميات لتكون أكثر فعالية في استخدام الموارد، مما يقلل من الحاجة إلى عمليات حسابية مكثفة، وأخيرًا تتعلق البنية التحتية المستدامة باستخدام مراكز بيانات وبنية تحتية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، مثل الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة وتحسين إدارة الطاقة."

ويوضح الدكتور رامي: "استخدام البيانات في نماذج معقدة يتطلب عمليات ومتسلسلات أكثر تعقيدًا من العمليات الأخرى، مما يوفر فرصًا أساسية للاستثمار وتحول استراتيجيات الطاقة، وأحد أهم أدوار الاستهلاك هو استخدام بيانات تتطلب معالجة هائلة دون منظومة إدارة للبيانات وحوكمتها بواسطة أنظمة AIMA وDAMA، وتعكس البيانات ودرجة كثافتها واستدامة التدريب (Extreme Machine Learning و Reinforced Deep Learning) دورًا محوريًا في معدل الاستهلاك حسب اختلاف طبيعة المعالجات وموقع التشغيل".

ويبيّن  أن معالجة البيانات الذكية باستخدام برامج التحليل المباشرة مثل DDP قد تؤثر بشكل جذري على كمية الاستهلاك ونوع البنية التحتية ودرجة الاستهلاك، كذلك، تتطلب عمليات التحقق والتجريب للنماذج موارد إضافية ومنها موقع التشغيل الذي قد يضيف ميزة تفضيلية للسلطنة نظرًا لموقعها الجبلي المميز مثل الجبل الأخضر".

وعن الفروقات في استهلاك الطاقة بين تدريب النموذج واستخدامه في التطبيقات العملية، يوضح شاهين: "الفرق في كثافة العمليات الحسابية؛ أي إن عملية تدريب النموذج تتطلب كميات هائلة من العمليات الحسابية، مما يؤدي إلى استهلاك كبير للطاقة، وهذا يعود إلى ضرورة معالجة كميات ضخمة من البيانات لتهيئة النموذج، أيضا التدريب يستغرق وقتاً طويلاً؛ حيث يتم تحسين النموذج بشكل مستمر للوصول إلى دقة عالية، وهذا يتطلب تشغيل الأجهزة لفترات طويلة مما يزيد من استهلاك الكهرباء، وعند استخدام النموذج المدرب في التطبيقات العملية (مثل التنبؤ أو التصنيف)، تكون العمليات الحسابية المطلوبة أقل بكثير مقارنة بعملية التدريب، وهذا يؤدي إلى انخفاض كبير في استهلاك، وكذلك الكفاءة بنماذج الذكاء الاصطناعي المدربة تكون مهيأة للعمل بكفاءة عالية في بيئات الإنتاج؛ فتتطلب موارد حاسوبية أقل لتقديم النتائج بسرعة ودقة"

ويضيف: "الاستهلاك على المدى الطويل إذا تم تحديث النماذج بشكل دوري أو إعادة تدريبها مع بيانات جديدة، فإن استهلاك الطاقة يمكن أن يظل مرتفعاً على المدى الطويل، أما إذا تم استخدام النموذج في التطبيقات اليومية فذلك يتطلب طاقة أقل نسبيا، لكن مع الانتشار الواسع لاستخدام هذه التطبيقات، يمكن أن يكون هناك تأثير ملحوظ على استهلاك الطاقة الإجمالي".

 

حلول تقليل الاستهلاك

أما عن كيفية تحسين تقنيات النموذج، مثل تحويل النماذج وتكثيفها وتقليلها من استهلاك الطاقة، فيقول الدكتور رامي: "استخدام تقنيات تحويل النماذج يمكن أن يحسن كفاءة النموذج بشكل عام، وتحويل النماذج يشمل تقليص حجم النموذج دون التضحية بالأداء، مما يؤدي إلى تقليل العمليات الحسابية المطلوبة وبالتالي خفض استهلاك الطاقة، وتهدف تقنية تكثيف النماذج إلى تقليل عدد المَعلمات في النموذج، مما يؤدي إلى تقليل حجم البيانات التي يحتاج النموذج لمعالجتها، وهذا يقلل من الحاجة إلى موارد حاسوبية كبيرة، مما يسهم في خفض استهلاك الطاقة".

ويلفت شاهين إلى أن تحسين استخدام الشبكات العصبية المدمجة يساعد في تحسين الكفاءة التشغيلية للنماذج ويقلل من الحاجة إلى طاقة كبيرة للتدريب والاستخدام، كذلك من ضمن التقنيات التي تعمل على تقليل استهلاك الطاقة تحسين اتخاذ القرار؛ فتقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن توفر معلومات في الوقت الحقيقي حول أنماط إنتاج واستهلاك الطاقة، ويساعد في تحسين كفاءة الاستخدام وتقليل الفاقد".

ويقول الدكتور رامي: "تتميز وحدات معالجة التنسور (TPUs) بكفاءة عالية في الأداء لكل واط، مما يجعلها خيارًا مفضلًا لمهام الذكاء الاصطناعي المكثفة بفضل استهلاكها المنخفض للطاقة، وهذا يساهم في تقليل التكاليف التشغيلية وزيادة الكفاءة الطاقية، خاصة في عمليات التعلم الآلي على نطاق واسع، وبالمقارنة، تقدم وحدات المعالجة الرسومية (GPUs) أداءً عالياً لكنها تستهلك كمية كبيرة من الطاقة".

ويؤكد: "لذلك، يجب اختيار العتاد المُناسب بناءً على متطلبات الأداء وكفاءة الطاقة، كما يمكن تحسين الأداء وتوفير الطاقة باستخدام عتاد مخصص مصمم خصيصًا لتلبية احتياجات تطبيقات الذكاء الاصطناعي".

وردا على سؤال كيف يمكن لتقنيات التبريد وتوزيع الأحمال أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في مراكز البيانات التي تدير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يوضح الدكتور رامي أن من أكثر طرق التبريد كفاءة في استخدام الطاقة هو التبريد التبخيري المُباشر؛ حيث يستخدم جزءًا صغيرًا من الطاقة مقارنة بوحدات تكييف الهواء الميكانيكية التقليدية، كما يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين أداء أنظمة التبريد من خلال التنبؤ بتحميل التبريد الأمثل وتوزيعه بشكل فعّال، ويقلل من استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 40% ".

وعن توزيع الأحمال، يقول الدكتور رامي: "تسهم الشبكات الذكية في تعزيز توزيع الطاقة من خلال برامج الاستجابة للطلب وموازنة الأحمال، مما يساعد في تحقيق كفاءة أعلى في استهلاك الطاقة وتقليل الفاقد، ومن خلال تحليل البيانات في الوقت الحقيقي، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم معلومات فورية حول أنماط استهلاك الطاقة، مما يمكّن المرافق والمستخدمين من اتخاذ قرارات أفضل لتوزيع الأحمال بكفاءة."

وفيما يتعلق باستخدام الحلول الخضراء، يوضح الدكتور رامي أن اعتماد حلول الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمكن أن يساعد في تقليل البصمة الكربونية لمراكز البيانات، وومن خلال دمج هذه التقنيات، يمكن لمراكز البيانات تحسين كفاءة استخدام الطاقة وتقليل التكاليف التشغيلية والمساهمة في الحفاظ على البيئة.

ويشير الدكتور رامي إلى أن الأبحاث والجهود الحديثة تسهم في تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي نحو كفاءة أعلى واستدامة أفضل في مختلف المجالات، وعلى سبيل المثال، قام الباحث داروالا بتصميم خوارزميات جديدة تستفيد من طرق مستوحاة من عمل الأدمغة في تحريك ومعالجة البيانات بشكل أكثر كفاءة، بالإضافة إلى ذلك، تم تطوير أدوات جديدة تساهم في تقليل استهلاك الطاقة خلال تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بنسبة تصل إلى 80%، مما يعزز من الكفاءة الطاقية ويقلل من البصمة البيئية، كما أظهرت الأبحاث أن استخدام منصات السحابة بشكل فعّال يمكن أن يقلل بشكل كبير من استهلاك الطاقة اللازمة لتدريب الخوارزميات العميقة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي وأنظمة التحكم الذكية في الطاقة داخل المباني أن تساهم في تحسين إدارة الطاقة ويدعم الجهود العالمية للحفاظ على الطاقة والبيئة.

ويبين أن الأبحاث الحالية تركز بشكل رئيسي على تحسين كفاءة استهلاك الطاقة في نماذج الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير خوارزميات أكثر فعالية، كما أن الخوارزميات المحسنة تستطيع تنفيذ المهام بنفس مستوى الدقة باستخدام عمليات حسابية أقل، مما يقلل من الاستهلاك الطاقي اللازم لتدريب وتشغيل النماذج، وتترجم هذه التحسينات إلى تقليل الحمل الحسابي وتحسين استخدام الموارد بشكل أفضل، إضافة إلى تحسين استجابة النظام لتغييرات الحمل الديناميكية، ويعزز من كفاءة استهلاك الطاقة بشكل عام.

ويتابع قائلا: "يتمحور البحث في استخدام تقنيات التعلم التعزيزي والتعلم الضبابي لتقديم حلول تقنية تسهم في تحسين الكفاءة الطاقية، بالإضافة إلى تطوير خوارزميات إدارة الطاقة الذكية التي تسهم في تحسين الأداء وتقليل الاستهلاك الزائد للطاقة"، مُعتبرا  أن هذه الجهود البحثية تعكس التزام العالم بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع متطلبات الاستدامة والحفاظ على البيئة".

 

الحلول المستدامة

ويذكر دكتور رامي أن من بين الحلول المستدامة التي يمكن تنفيذها لتقليل البصمة الكربونية الناتجة عن عمليات الذكاء الاصطناعي، استخدام تقنيات أكثر كفاءة للطاقة وذلك باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تستهلك طاقة أقل وتحسن الكفاءة العامة للنظام، مثل وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) ووحدات معالجة التنسور (TPUs) المصممة لتحقيق أداء عالي مع استهلاك طاقة أقل، كذلك دمج مصادر الطاقة المتجددة؛ أي دمج في تشغيل مراكز البيانات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يساهم في تقليل الانبعاثات كبير؛ حيث يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي الكربونية بشكل في دمج الطاقة المتجددة بشكل أفضل ضمن الشبكة الكهربائية.

ويلفت شاهين إلى أن تحسين الأنظمة والعمليات تساعد في تحسين كفاءة العمليات الصناعية والنقل والزراعة من خلال تعزيز إدارة الطاقة والتقليل من الهدر، مما يسهم في تقليل البصمة الكربونية، موضحا: "يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات للتنبؤ بأنماط استهلاك الطاقة والطقس، حتى يساهم في تحسين كفاءة استخدام الطاقة في الألواح الشمسية وغيرها من تقنيات الطاقة المتجددة، وفي مجال الزراعة المستدامة استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة الموارد وتقليل الفاقد للتقليل من الانبعاثات الكربونية وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية بشكل عام".

تعليق عبر الفيس بوك