حاتم الطائي
◄ الإجرام الإسرائيلي الأمريكي فاق التصورات وتجاوز حدود العقل
◄ الشعب الأمريكي أظهر دعمه لفلسطين ومعارضته الشرسة لسياسات بايدن
◄ أمريكا فقدت بوصلتها الأخلاقية وانهار نموذجها الحقوقي والديمقراطي
لم تعُد الكلماتُ والمَقالاتُ تكفي لوصف الفاجعة الإنسانية التي يئن منها الشعب الفلسطيني الشقيق منذ نحو 9 أشهر، بعدما بدأ سفلة العالم وقتلة الأطفال- باعتراف الأمم المُتحدة- من الصهاينة الملعونين وبدعم أمريكي مُجرم مُباشر، في تنفيذ أشنع جريمة إبادة جماعية في التاريخ الحديث، بحق الشعب الفلسطيني المدني الأعزل، بالتوازي مع تنفيذ حرب تجويع مُتعمّدة، وسط تواطؤ دولي مُنقطع النَّظير، وكأنَّ أكثر من 35 ألف شهيد وعشرات الآلاف من المُصابين والمَفقودين، ليسوا سوى أرقام مُجردة لا تعكس أرواحًا بريئة صعدت إلى خالقها وهي تصرخ من الفزع أو الألم أو الرُّعب.
بلغ الإجرام مبلغًا لم نقرأه في كُتب التَّاريخ، ولم نشاهده حتى على شاشات السينما، وصل الإجرام حدًا لم نعُد نُدرك معه أكابوسٌ ذلك أم حقيقة ماثلة أمام أعيننا؟! من الذي سمح لجيش الإجرام الصهيوني أن يُواصل ارتكاب المذابح عشرات المرات، دون أن يرمش جفن المجتمع الدولي! ألهذه الدرجة يخشى العالم الولايات المُتحدة التي فقدت أخلاقها تحت قيادة الرئيس الحالي جو بايدن؟ وماذا عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بل والحيوان التي تتشدق بها واشنطن؟!
نُدرك تمام اليقين الفارق الشاسع بين الإدارة الأمريكية بقيادة الصهيوني بايدن (حسب اعترافه المُوثّق) وأعضاء إدارته من وزراء يهود أعلنوا رسميًا انحيازهم السافر لكل ما هو يهودي وصهيوني، وبين الشعب الأمريكي الذي انتفض في الجامعات والميادين الكبرى في أنحاء الولايات المُتحدة احتجاجًا على المذابح الإسرائيلية في فلسطين، هذا الشعب الذي ما زال- إلى اللحظة- يقف مُرابطًا أمام منزل وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يرشون موكبه بالطلاء الأحمر ويهتفون بأنَّه "قاتل" وأنَّه والإدارة التي يعمل فيها "شركاء في الإبادة الجماعية" للفلسطينيين. هذا الفارق هو ما يُؤكد لنا أنَّ ضمائر الشعوب ما تزال يقظة، مهما حاول الساسة بكل حقارة أن يُشوِهوا الوعي ويكتمون الأفواه ويُسكتون النَّاس عن قول الحق.
الولايات المتحدة الأمريكية شريك أصيل في جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين، ولو أنَّ هناك من عدالة في هذا العالم، لحُوكِمت أمريكا مع إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، لأنَّ القاعدة القانونية تقول إن الشريك والمُحرِّض والمُتستِّر على جريمة له جزاء مرتكبها، وأمريكا بقيادة بايدن، شاركت ومولت وسلّحت ووفرت الغطاء القانوني وربما الأخلاقي لدولة الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ جرائم الإبادة الجماعية، ليس فقط في الشهور التسعة الأخيرة؛ بل في مُجمل عقود الصراع، وبالطبع قبلها كانت بريطانيا، التي غرست هذا الكيان السرطاني السام في قلب الوطن العربي.
أمريكا لم تعد وسيط السلام في هذه القضية المصيرية، فقد لطّخت يديها بدماء الشعب الفلسطيني.. عشرات الآلاف من القنابل الأمريكية سقطت على رؤوس الشعب الفلسطيني في غزة، استُشهِد فيها أكثر من 35 ألف فلسطيني، ودُمِّرَت غزة بالكامل من شمالها لجنوبها، ومن شرقها إلى غربها، بالمتفجرات الأمريكية. هذا إلى جانب الدعم الاستخباراتي واللوجستي، والدعم بالأفراد؛ حيث تفيد المعلومات المؤكدة- والمنشورة في الإعلام العبري والأمريكي- أن أكثر من 1000 مستشار عسكري أمريكي متواجدون في دولة الاحتلال يقدمون الدعم والإسناد التكتيكي والعسكري لجيش الإبادة الإسرائيلي، وما خفي من أعداد أخرى من المرتزقة عبر شركات الأمن الأمريكية صاحبة التاريخ الأسود في العراق وأفغانستان، كان أعظم!
لا يُمكن بأي حالٍ من الأحوال النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى في العالم؛ بل هي القوة الأكثر دموية في العالم، القوة الأكثر توحشًا في التاريخ الحديث. والدعم الأمريكي جعل من إسرائيل قوة نازية مُتطرفة، تمارس الإبادة الجماعية بدم بارد، ودون خشية من عواقب قانونية أو أخلاقية. ويُواصل المُجرم البربري بنيامين نتنياهو حربه المسعورة لإبادة شعب غزة وطرده من أرضه، كي يرسم صورة نصر زائف تُبعده عن الزنزانة التي تنتظره في أحد سجون إسرائيل، عقابًا له على فساده النتِن الذي فاحت رائحته وزكّمت الأنوف، بجانب محاكمته ومعاقبته على فشله الاستراتيجي الذريع أمام المقاومة الفلسطينية الباسلة بقيادة أبطال "كتائب القسّام". وكل ما وفّرته الولايات المُتحدة من دعم سياسي وعسكري وغطاء قانوني وأخلاقي لهذا المجرم المتوحش وجيشه الوقح، يتحمل مسؤوليته الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، ومنسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، هؤلاء الوحوش الذين لم يتوانوا عن تقديم الغطاء الدبلوماسي للجرائم الإسرائيلية في فلسطين، والذين يتعمدون الكذب ونشر الضلالات الإعلامية، ويتجرأون في إطلاق الأكاذيب والمزاعم، حتى إنهم يرفضون وصف ما يحدث في فلسطين على أنَّه إبادة!!
أمريكا ورغم ما تُقدِّمه من دعم مالي هائل وتسليح عسكري لا مثيل له لإسرائيل، لم تُساعدها على تحقيق أي نصر، ولم تتمكن دولة الاحتلال وجيشها المُجرم من بلوغ أي هدفٍ أعلن عنه مجلس الحرب الفاشي؛ بل تجرعت مرارة الهزائم الاستراتيجية المتتالية منذ "طوفان الأقصى"، وتكبدت خسائر لم تتكبدها في سنوات الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله! سواء في أعداد القتلى ضمن عملية الطوفان، أو في المواجهات المسلحة مع فصائل المقاومة الباسلة؛ حيث مات نحو 700 إسرائيلي حسب أرقامهم، والمؤكد لدينا أنَّ العدد ربما يكون الضعفين في أفضل الحالات، في محاولة من جيش الاحتلال الإبقاء على معنويات جنوده المجرمين، أضف إلى ذلك عشرات الآلاف من الجنود الذين يُعانون اضطرابات نفسية وهلاوس وأمراضًا عقلية، نتيجة المعارك الشرسة التي خاضوها مع المقاومة في غزة.
وبالأمس، ارتكبت دولة الاحتلال مذبحة مروّعة في مخيم النصيرات راح ضحيتها 210 شهداء على الأقل، إثر محاولة الاحتلال- بدعم أمريكي مُعلن ومُباشر- لتحرير عدد من الأسرى لدى المقاومة، فما كان من هذا الجيش الفاشل الأحمق إلّا أن حرر 4 أسرى فقط، بينما قتل عدد آخر من الأسرى، برأينا لن يقل عن 4 آخرين!! ولنا أن نُمعن النظر في هذه المعارك الخسارة للاحتلال، كيف به أن يُنقذ 4 مقابل قتل 4 آخرين، فضلًا عن استشهاد 210 فلسطينيين في المخيم الواقع وسط قطاع غزة، والذي اعتبرته إسرائيل "منطقة آمنة"، لتؤكد بذلك أنه لا مكان آمنًا في كل غزة.
ويبقى القول.. إنَّ الإجرام الصهيوني بدعم ومساندة واشتراك أمريكي لا يقبل الجدال، ليس سوى تعبير عن الفشل الذريع للجيش الذي كان يزعم أنه الأقوى، ليتضح للعالم أجمع أنَّه الجيش الأكثر بربرية والأشد وقاحة وإجرامًا، وأنَّ الولايات المتحدة شريك أصيل في الجرم المشهود، بتواطؤها والصمت على الجرائم، وبتسليحها المُستمر للكيان الصهيوني.. لكن في نهاية المطاف، الحق سينتصر، وستعود فلسطين كاملة لأهلها، وستزول إسرائيل حتمًا؛ لأنَّ ما يجري الآن لم يعد مجرد حرب عابرة؛ بل هي المعركة المصيرية التي ستُجلي الحق وتزهق الباطل إلى الأبد.