تحدي إسرائيل لقرارات محكمة العدل الدولية

 

د. عبدالله الأشعل **

استجابت محكمة العدل الدولية في سابقة فريدة لطلب جنوب إفريقيا بإصدار الأمر إلى إسرائيل بوقف إطلاق النَّار في رفح. واختارت المحكمة رفح بالذات لما لها من أهمية خاصة حيث يتكرس فيها معظم سكان غزة، كما إن إسرائيل رفضت من قبل الضغوط الدولية لعدم القيام بحملة رفح.

ثم إن الغارات الإسرائيلية تعني مزيدًا من الإبادة، وقد لاحظت المحكمة أنَّ إسرائيل لا تنفذ قراراتها السابقة، ولذلك نصَّ القرار على أنَّ الشروط والدواعي قد اكتملت لكي تتخذ المحكمة مزيدًا من الإجراءات المؤقتة، وألمحت أنها مقتنعة بأنَّ إسرائيل تتعمد الإبادة؛ وهي إشارة ذات دلالة، خاصة وأنَّ المحكمة تبحث إصدار حكم في القضية التي رفقتها جنوب إفريقيا وهي انتهاك إسرائيل عمدًا لاتفاقية الإبادة وتشجع على ارتكابها بدلًا من المحافظة على السكان واحترام الأماكن المحمية. وكان رد فعل إسرائيل مزيدًا من تحدي المحكمة والمجتمع الدولي. هذا السلوك البربري بدعم من واشنطن يُهدر قيمة القانون والقضاء الدوليين وتحيل المجتمع الدولي إلى الفوضى وتسوية المُنازعات بالقسوة في تحدٍ ظاهر لجميع مبادئ الأمم المتحدة وتعاهدها. وهكذا تصدر المحكمة ما تشاء من قرارات وأحكام ولكنَّ إسرائيل تفعل ما يحلو لها من أعمال الإبادة وتدخل واشنطن شريكًا مباشرًا وكاملًا لإسرائيل فى أعمال الإبادة.

ويترتب على هذا الوضع ما يلي:

أولًا: أن الصهيونية التي تمارسها إسرائيل تعني الجرائم ضد الإنسانية ويتوفر ركن العمد في هذه الجرائم منطوق المشروع الصهيوني.

ثانيًا: أن سلوك إسرائيل الصهيوني يقطع بأنها لاعلاقة لها باليهود، وإنما سكان إسرائيل مجموعة من اللصوص الذين أغواهم منطق المشروع الصهيوني وأكاذيبه وسقطت إلى الأبد مبررات بقاء إسرائيل، كما سقط عنها وصف الدولة، مثلما سقطت عنها شروط العضوية فى الأمم المتحدة؛ ولذلك فإن سلوكها منذ قيامها وهي تجتهد في أعمال الإبادة تنفيذًا لمضمون المشروع الصهيوني.

ثالثًا: يترتب على ذلك أن تتاح فرص للعمل الدبلوماسي العربي والإسلامي والعالمي، فتستطيع المجموعة العربية أن تستصدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة قرارات تهاجم قدسية الصهيونية التي أضفاها عليها الكونجرس الأمريكي والغرب عموماً وفيه انكشاف للقوة العظمى الأمريكية فقد اجتمعت بها إسرائيل لكي تتحدى الجميع بجرائمها.

رابعًا: ظهور نظرية السيادة التي نشأ عليها القانون الدولي ولابُد من البحث عن آليات جماعية للتنفيذ، وفي هذا المقام يمكن للدول العربية والإسلامية استصدار قرارات من الجمعية العامة لفرض عقوبات على إسرائيل ووصم الصهيونية بالجرائم ضد الإنسانية وإلغاء قرار الجمعية للتذكير بذكرى محرقة ألمانيا وإحلاله بقرار جديد لإدانة الصهيونية وعلاقة الصهيونية بإسرائيل؛ باعتبارها تجسيدًا للصهيونية ورأس حربة في حملة الإبادة.

وقد ظهر الفرق الحاسم بين إسرائيل كسُلطة محتلة وإسرائيل كقوة استعمارية وإسرائيل الصهيونية؛ فالأخيرة أخطر من الاثنين لأنها تستقطب الضحايا ممن ينتسبون زورًا إلى اليهودية وتصوير فلسطين على أنها الأرض الموعودة ويحميهم الجيش وأمريكا. الاستعمار يُصفي والاحتلال ينتهي ولا نزعم الدولة المستعمرة أو المحتلة أن لها حقًا فى الأقاليم المحتلة أو المُستعمَرة.

خامسًا: قررت المحكمة أنه يجب على إسرائيل الالتزام بثلاثة أمور؛ الأول: وقف إطلاق النَّار، ورغم أنه إجراء سياسي ومتروك للتفاوض بين إسرائيل والمقاومة وهي ضربة لحظة الإبادة الإسرائيلية، والصياغة الصحيحة هي وقف أعمال الإبادة جميعًا، وتشمل القصف وضرب الإسعاف والخدمات والمستشفيات والكذب على المدنيين وخداعهم. والثاني فتح المعابر، والثالث إدخال المساعدات في مواجهة حملة التجويع وحرمان السكان من مقومات الحياة.

سادسًا: يترتب على مخالفة هذه القرارات أن تتمكن إحدى الدول باقتراح تطبيق المادة الخامسة من الميثاق وهي الحرمان من التصويت ويصدُر القرار من لجنة فحص أوراق التفويض، وقد طبقت العقوبة على جنوب إفريقيا.

سابعًا: أن عدم الالتزام من شأنه دعم المساعي لإبطال عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية، والأفضل أن يطلب الأمين العام المدافع عن المنظمة الدولية رأيًا استشاريًا من نفس المحكمة حول مدى تمتُّع إسرائيل في ظل سلوكها بشروط العضوية.

ثامنًا: الخلاصة المطلوب من العالم العربي والإسلامي وإفريقيا وأمريكا اللاتينية اتخاذ الإجراءات الآتية:

  1. إبطال عضوية إسرائيل والتمهيد لذلك بحرمان إسرائيل من التصويت.
  2. اقتراح فرص العقوبات.
  3. إعداد الكتاب الأسود في احتقار إسرائيل للأمم المتحدة وتوبيخ مندوبها بسبب تقطيع الميثاق رغم أن إسرائيل وليدة الأمم المتحدة.

تاسعًا: تخشى الدول المُعترفة بفلسطين أن تتخذ الدول إجراءات تهدم المشروع الصهيوني فتخلف فلسطين كلها للفلسطينيين، ولذلك ربطت هذه الدول بين الاعتراف وحل الدولتين؛ حيث يعتبرون أن وجود إسرائيل تحصيل حاصل ويتجاهلون منطوق المشروع الصهيوني الذى يهدف إلى إبادة الشعب والانفراد بالأرض. وتخشى هذه الدول أن سلوك إسرائيل يمكن أن يزيل إسرائيل طواعية لغياب المشروع الصهيوني. وتأكد أن فلسطين تنفرد بأرضها ولا تريد التعايش مع إسرائيل، وهذا كان واضحًا من تعليق "حماس" على الاعترافات المتتالية، أنها تثبت الشعب في أرضه وتحبط هدف المشروع الصهيوني.

عاشرًا: سقوط مزاعم إسرائيل والغرب والتغني بالديمقراطية وحق الحياة لإسرائيل وحدها وحق إبادة السكان. فنية الإبادة موجودة في المشروع نفسه.

وقد سارعت فرنسا إلى ترتيب لقاء بين الرئيس إيمانويل ماكرون ووزراء خارجية وفد القمّة الطارئة العربية الإسلامية، وما كان لفرنسا أن تتخذ هذه الخطوة لولا استشعارها بالخطر على إسرائيل؛ بل يُتوقع أن تعترف فرنسا بالدولة الفلسطينية أيضًا. وكانت فرنسا فى عهد الرئيس الراحل جاك شيراك تُؤيد الحقوق الفلسطينية، لكنَّ تغيُّر الحكم في باريس وقربه أو بعده عن واشنطن، باعد بين موقف فرنسا وبين خطها القديم، لدرجة أنَّ المرتزقة الفرنسيين اشتركوا فى الهجوم الإسرائيلي على غزة.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

الأكثر قراءة