ارتفاع أسعار النفط.. فرصة ذهبية لتنويع مصادر الدخل

 

 

 

مرتضى بن حسن بن علي

 

مرَّت عُمان منذ سبعينيات القرن الماضي -مثل الدول النفطية الأخرى- بفتراتٍ كانت أسعار النفط تشهد موجات ارتفاع تُقابلها موجات هبوط. الارتفاعات في أسعار النفط مكَّنت عُمان -مثل الدول المعتمدة على النفط- من إقامة مشاريع كبيرة وتكوين صناديق احتياطات للاستفادة منها عند أي نزول مؤقت في أسعار النفط، الذي شهدتْ أسعاره انخفاضات كبيرة بين فترة وأخرى، ولتكون أيضا صندوقًا لأجيال المستقبل.

ولكن الفترة من منتصف 2014 وحتى بداية العام 2022، كانت عصيبة على الاقتصاد العُماني تحديدا، بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط، والذي سبَّب لها عجوزات كبيرة ومستمرة في موازناتها السنوية، واضطرت للسحب من أرصدتها، والاقتراض من السوقيْن المحلي والدولي، ووصلت الديون إلى مرحلة خطرة وحرجة.

ورغم كل خططنا الخمسية الطموحة، بدءا من الخطة الخمسية الأولى 1976-1980، مرورًا بما رددناه في أعوام هبوط أسعار النفط في 1986 و1988 و1990 و1993، ووصولًا إلى وضع وثيقة رؤية "عُمان 2040"، فإن الاختلافات بقيت كبيرة بين ما كان مُخطَّطا، وماذا حصل في الواقع. ربطت عُمان تنميتها وإنفاقها وتعيين الموظفين وزيادة أجورهم بالإيرادات من أصلٍ ناضب. لم نتعلَّم من الدروس، وبقيت كلُّ الأشياء معتمدة على أسعار النفط، وليس على المحركات الوطنية الذاتية وتنويع مصادر الدخل وبناء القوة البشرية العُمانية.

كل الخطط الخمسية المتوالية منذ العام 1981 كانت تنادي بتنويع مصادر الدخل، ومع كل ذلك بقيت عُمان إلى حدٍّ كبير تعتمد على النفط كمورد أساسي، وربما وحيد للدخل. وكلُّ الخطط منذ عام 1981 كانت تستهدف الآتي:

أ- العمل على تنمية مصادر جديدة للدخل القومي تقف إلى جوار الإيرادات النفطية وتحل محلها في المستقبل.

ب- زيادة نسبة الاستثمارات الموجَّهة للمشروعات المُدرَّة للدخل والموفرة لفرص العمل، وعلى وجه الخصوص في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والأسماك والسياحة.

ج- استكمال مُقوِّمات اقتصاد وطني حُر يرتكز على نشاط القطاع الخاص على أساس المنافسة الحرة البعيدة عن الاحتكار، وتعزيز الحوافز والإعفاءات وتقديم القروض للمشروعات الإنتاجية المُدرَّة للدخل والموفرة لفرص العمل، بشروط معقولة.

د- إيجاد جيل جديد من العُمانيين للقيام بواجبهم في بناء البلد والإحلال محل العمالة الوافدة، عن طريق تأسيس منظومات تعليمية وتدريبية وتشريعية متطورة، قادرة على أن تتغير مع تغيُّر الأطراف والأحداث والزمن.

ورغم الإنجازات الكبيرة التي تحقَّقت خلال العقود الماضية، فإنَّ القلق الذي يساور الكثيرين يعكس الأخطاء والمشاكل المصاحبة. وكثيرٌ من المحاولات السابقة لتحقيق الأهداف الموضوعة، واجهت مشاكل وعثرات في وضع الخطط والسياسات والاستراتيجيات المؤدية لبلوغ الأهداف، واجهتنا مشاكل عديدة أثناء التطبيق الفعلي، أي عند ترجمة النصوص والآمال إلى إجراءات تنفيذية بسبب عدم توجُّهنا ضمن خطة واقعية، ناهيك عن الخلل الظاهر في أمر الاختصاص، وغياب وحدة الهدف والتنسيق بين الوزارات المختلفة. لم تكن هناك خطة لمراقبة المسار وتصحيحه من قبل جهات مستقلة كلما لاح أيُّ انحراف. وكلما ارتفعت أسعار النفط ننسى ما خططناه وما قُلناه، وننحرف عن الأهداف التي وضعناها، وتزداد معها شهية الإنفاق.

ومنذ عام 2011 وحتى عام 2014، تضاعفت الميزانية من نحو 7 مليارات ريال إلى نحو 14 مليارًا، بسبب ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، إلى أن وصلت إلى نحو 105 دولارات للبرميل، علما بأنَّ الخطة الخمسية 2011-2016 احتسبت معدل سعر النفط بـ59 دولارًا للبرميل خلال سنوات الخطة.

وزاد عدد الموظفين في الدولة بنحو 115 ألف موظف خلال العامين 2011-2012، نحو 75 ألف موظف انتقلوا من القطاع الخاص إلى القطاع العام، وزادت الرواتب بشكل كبير من نحو ملياري ريال في العام 2010 إلى نحو 6 مليارات في نهاية عام 2013، وتلك الزيادة كانت من أحى أسباب ارتفاع الإنفاق العام للدولة من العام 2011 والسنوات التي تلتها.

واعتبارًا من النصف الثاني من العام 2014، تراجعت أسعار النفط بشكل حاد، ومعها تراجعت معدلات النمو الاقتصادي ومعدل الفرد من الناتج المحلي بشكل حاد أيضًا، وتراجع الإنفاق على المشاريع الحكومية، وحدثت عجوزات مستمرة في الموازنة العامة للدولة. وجميع إيرادات الدولة من النفط والغاز لم تكن تكفي لسداد رواتب الموظفين في بعض السنوات.

أظهرت أزمة انخفاض أسعار النفط وتراجع الدخل، أهمية العودة مجددًا للخيار الإستراتيجي المتمثل في تنويع مصادر الدخل الوطني، وأهمية تناول هذا الموضوع بالبحث تكرارًا ومجددًا، على الرغم من تناوله سابقًا، لكونه شرطا ضروريا لتحقيق التنمية المستدامة، لتصل معظم إيرادات الموازنة العامة من خارج القطاع النفطي والغاز، وتحقيقًا لمبدأ الشراكة الكاملة لمكونات المجتمع، وفق رؤية "عُمان 2040" لدور القطاع الخاص بعد إعادة تشكيله.

وارتفاع أسعار النفط فُرصةٌ ذهبيةٌ لعُمان لمراجعة الأولويات، وتسريع عملية تنويع مصادر الدخل.. فتنويع الاقتصاد يُعدُّ إستراتيجية مهمة، خاصة في ضوء التقلبات الكبيرة في أسعار النفط العالمية، والتحول العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة عن طريق ما يلي:

1- تعزيز القطاعات غير النفطية؛ مثل: السياحة، الزراعة، والأسماك، الصناعة والصناعة التحويلية؛ مثل: تصنيع منتجات النفط، والتي ستُباع بأضعاف الأسعار، وتوفر فرص عمل كبيرة.

2- استثمار العوائد المالية من ارتفاع أسعار النفط في تطوير المشاريع الإنتاجية المختلفة، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

3- استثمار الإيرادات في تحسين وتطوير البنية الأساسية، لتساعد على دعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل وتحسين جودة الحياة للسكان.

4- تشجيع الابتكار ودعم التكنولوجيات الجديدة، بما في ذلك تلك المرتبطة بالاقتصاد الرقمي والصناعات الناشئة، لتوسيع القاعدة الاقتصادية.

5- الاستثمار في التعليم وتدريب القوى العاملة لتلبية احتياجات الصناعات الجديدة والمستقبلية؛ مما يُعزز الإنتاجية والابتكار.

6- التحرُّك الاستباقي والاستفادة من الظروف الاقتصادية الحالية لتوفير أساس قوي للمستقبل، والاستفادة القصوى من ارتفاع أسعار النفط؛ كفرصة لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي، وتأسيس أساس متين لتحقيق تنمية مستدامة طويلة الأمد. هذا يشمل تحسين جودة الحياة للسكان، وتعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية، والمساهمة في الجهود العالمية نحو مواجهة تغير المناخ والحفاظ على البيئة.

وسوف تتمكَّن عُمان من خلال تركيز الجهود على تنويع مصادر الدخل وتطوير الصناعات النظيفة والمستدامة، إضافة للاستثمار في التكنولوجيا والابتكار، من أن تُقلل من تأثير التقلبات في أسواق النفط العالمية على اقتصادها. كما يُمكن أن تعزز من مكانتها كدولة رائدة في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات الصديقة للبيئة، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي والاستثمار.

وأخيرًا.. فإنَّ الشفافية والحوكمة الرشيدة ضروريتان لضمان استخدام إيرادات النفط بفاعلية ولإيجاد قيمة مستدامة لجميع المواطنين. فمن خلال العمل الاستباقي والتخطيط الاستراتيجي، يمكن لعُمان تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة؛ مما يؤسس لمستقبل مزدهر للأجيال القادمة.