علي بن مسعود المعشني
حينَ نذكُر الطَّربَ والشعرَ الغنائيَّ في أقطار الخليج، لا يُمكن تجاوز مدرسة شعرية عاطفية وطنية كبيرة بحجم مدرسة الأمير بدر بن عبدالمحسن (2 أبريل 1949/ 4 جمادى الآخرة 1368هـ - 4 مايو 2024/ 25 شوال 1445هـ)، والذي تربت ذائقة أجيال عدة على أحاسيسه المرهفة، ودفقه الشعري الغزير.
عُرف الأمير بدر بلقب "مهندس الكلمة"، لشدة وعمق إتقانه في توظيف الكلمة لبناء معنى جميل ومُؤثر وعميق، ورغم أنَّ الهندسة علم تطبيقي، إلا أنَّ كلمات البدر كانت مُفعمة بالأحاسيس والمشاعر، والتي تكاد تنطق وتحاكي مسامع المستمعين. وكما قال المفكر علي شريعتي في وصف تأثير الكلمات على المتلقي: "عندما تتأثر بعبارة أدبية جميلة، أو بيت جميل من الشعر، فأنت في الحقيقة تراها بالعين المُجردة ولا تسمعها".
يقول خبير علم النفس الكويتي الدكتور صلاح الراشد، إنه درس الحالة النفسية لعدد من شعراء العصر الجاهلي، من واقع قصائدهم وسيرهم الشخصية، فوجدهم جميعهم مرضَى نفسيين بمعايير علمية، عدا واحد وهو عنترة بن شداد العبسي؛ حيث وصف الدكتور صلاح أولئك الشعراء بأنهم مُنتحلون لصفات وطباع وأخلاق وقيم ليست لهم وليست فيهم، بعكس عنترة الذي كان متصالِحًا جدًّا مع نفسه، وصادقًا جدًّا في وصف نفسه بفروسيته وشجاعته وعِفته؛ بل وفي وصف معاناته من سواد بشرته، وازداء والده وقومه له، وحبه وهيامه ببنت عمه عبلة.
وهذا يقُودنا لمعرفة شخصية الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، والذي كان متصالحًا مع نفسه إلى درجة التطابق بين بدر بن عبدالمحسن الإنسان والشاعر.
ومن أشهر قصائد البدر، والتي لحنها وتغنَّى بها المطرب طلال مداح، وشاعت حتى بلغت الآفاق في زمنها، هذه القصيدة:
عطني المحبة..
كل المحبة.. عطني الحياة
عطني وجودي
أبغى وجودي.. أعرف مداه
املأ شعوري.. بالحب مرة
أبغى هواكم.. حلوه ومُره
وأغلى الأماني.. عاشت في غربة
يا عمر ثاني.. عطني المحبة
عطني في ليل اليأس شمعة..
وبسمة نهار..
عطني في ضياع العمر دمعة..
وسكة ودار..
وأعطيك أمل في الحب غالي..
يصعب على غدر الليالي
وأغلى الأماني.. عاشت في غربة
يا عمر ثاني.. عطني المحبة
أمَّا من أجمل وأروع القصائد للبدر، والتي لحَّنها الموسيقار سراج عمر وتغنَّى بها المطرب محمد عبده، وتمناها المطرب طلال مداح لو كانت له، هذه القصيدة:
مرَّتني الدَّنيا.. بتسأل عن خبر
ما به جديد
عُشَّاق ليله تفارقوا.. وصاروا بعيد
لا طاحت نجوم السما.. ولا تاه في الظَّلما قمر
لا تاقف الدَّنيا.. وتسأل عن خبر
ما به جديد
يقول الأمير الشاعر خالد الفيصل (دايم السيف) في وصف البدر: "يكفي الأمير بدر شاعرية وفخرًا لو لم يقل سوى قصيدته الوطنية (فوق هام السُحب)"، وفيها نقرأ:
فوق هام السحب وإن كنتي ثرى.. فوق عالي الشهب يا أغلى ثرى
مجدك لقدام وأمجادك ورى.. وإن حكى فيك حسادك ترى
ما درينا بهرج حسادك أبد
إنت ما مثلك بها الدنيا بلد والله.. ما مثلك بها الدنيا بلد
من على الرمضا مشى حافي القدم يستاهلك
ومن سقى غرسك عرق دمع ودم يستاهلك
ومن رعى صحرا الضما إبل وغنم يستاهلك.. يستاهلك.. يستاهلك
حنا هلك يا دارنا برد وهجير.. حنا هلك يا دارنا وخيرك كثير
من دعا لله وبشرعه حكم يستاهلك.. ومن رفع راسك على كل الأمم يستاهلك
ومن ثنى بالسيف دونك والقلم يستاهلك.. يستاهلك.. يستاهلك
نستاهلك يا دارنا.. حنا هلك إنتِ سواد عيوننا شعب وملك
كثيرةٌ هي دفقات مشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، والتي يستعصي حصرُها وتوصيفُها.
وهناك قصيدة كتبها الأمير الراحل بدر بن عبدالمحسن أثناء مرضه قبل وفاته، مُخاطبًا فيها أخاه الأمير سعود بن عبدالمحسن، وجاءت كلمات القصيدة على النحو التالي:
صوتي تجرح ما بقى غير همسي
وعسى حروفي اليوم توفي بغرضها
کل السنين استكثرت طول عرسي
سبعين غيري ما حصله بعضها
ولا بدها يا سعود بتغيب شمسي
ذي سنة رب الخلايق فرضها
ولا علها حريتي بعد حبسي
ولا علي ألقى عند ربي عوضها
لولاي أحبك ما تذكرت نفسي
ولا انتبهت لعجزها أو مرضها
وما دام أشوفك طاب حزني وأنسي
وما همني حلو الحياة ومضضها
لعل قبل سعود لحدي ورَمسي
أخوي من أثرى حياتي ونهضها
ويا من ذكرني ما تذكرت منسي
ذكرت من عد النجوم وقبضها
أنا الذي لو تلمس الريح خمسي
كان السحاب أرخى العباة ونفضها
هذا الشجن حرثي والأيام غرسي
قصيدتي يبطي الزمن ما نقضها
وتُوفي الأميرُ بدر بن عبد المحسن بن عبد العزيز، عن عمر ناهز الـ75 عامًا، وهو أشهر الشعراء في المملكة والمنطقة والشرق الأوسط.
وبالشكر تدوم النعم...،
----------------------
قبل اللقاء.. رحل عنا أمير الشعر بدر بن عبدالمحسن في عيده الماسي (75 عامًا)، فهل هي مصادفة أم تتويج؟!