سعيدة بنت أحمد البرعمية
أخبرتني إحدى صديقاتي الشهر الماضي أن كلّ أبنائها مرضوا وكانت تسهر عليهم، وعندما يستيقظون يرونها بجانبهم، وفي وقت ما سألها أحدهم سؤالاً أدهشها: هل الأم تمرض؟
يعجز قلمي عن وصف ملامحها وهي تخبرني الخبر، لم يكن لسانها يتحدّث وحده، كانت تقاسيم وجهها تشارك في إيصالي الخبر، كانت تخبرني بسؤاله ودهشة غريبة تعتريها ومشاعر مختلطة تستبدّ بها، تكرر السؤال ذاته وتقول: أرجوك اكتبي عن الموضوع "هل الأم تمرض؟"، قلت لها طبيعي أن يسأل ابنك هذا السؤال فأنت الوحيدة التي لم تمرض؛ فخطر في ذهنه أنّ الأمهات لا يمرضن، كنت بهذا الردّ أضع حاجزا أمام إلحاحها مع إيماني بأنّ الموضوع يستحق الكتابة؛ لكنّي وعدتها بالكتابة عن الموضوع لاحقاً حينما يكرمني الوقت.
لا أنكر أن السؤال استحوذ على اهتمامي وبما أننا في زمن الذكاء الاصطناعي الذي بات ينافس الآدمي في الذكاء والعطاء أردت أن أتوجه إليه بالسؤال؛ فكتبتُ السؤال في محرّك البحث فيGoogle على أمل أن يسفر البحث عن نتائج مقنعة، ولكن لم تظهر سوى مواضيع ذات صلة؛ فجربت كتابة السؤال في تطبيق Chat GPT بصيغة هندسة الأوامر"اكتب لي إجابة عن السؤال الآتي: هل الأمّ تمرض؟
على الفور جاءت إجابة (GPT) وهي كالآتي "نعم، الأم قد تمرض مثل أي شخص آخر، الصحة والمرض جزء من الحياة البشرية، ويمكن للأم أن تواجه مشكلات صحية بحاجة إلى علاج ورعاية."
بعدها سألت ابني السؤال ذاته" فابتسم وقال بعفوية: أيش من سؤال هذا! مش الأنبياء يمرضون أكيد الأم تمرض.
فكرتُ بإجابته هذه فوجدتها تستحق التأمل، هو بالتأكيد جاوبها من مبدأ أنّ الأم بشر كغيرها من النَّاس تأكل وتمرض وتموت بالضبط كإجابة الذكاء الاصطناعي، ولكن استشهاده بمرض الأنبياء ميّز إجابته كثيرًا عندي، شعرتُ أنها تحديدا ما كنت أبحث عنه ولم أجدها في "الجي بي تي".
شعرتُ بأن بإجابته هذه العفوية قرن بين رسالتيَّ النبوة والأمومة دون أن يشعر، رأيتُ في إجابته أنّ الأم صاحبة رسالة لا تقل أهمية عن رسالات الأنبياء؛ تشقى وتواجه المتاعب لتحقيق أهدافها كما يفعل الأنبياء في أداء رسالاتهم لا فرق؛ فرجعت للتطبيق مرة أخرى وأمرته أن يكتب لي إجابة لسؤال آخر، هل الأم حاملة رسالة كالأنبياء؟
أجاب التطبيق، "الأم تحمل رسالة خاصة ومهمة في تربية أبنائها وتوجيههم، لكن لا يمكن مقارنتها مباشرة برسالة الأنبياء، الأم تسعى لتقديم الحبّ والدعم والرعاية لأبنائها بينما الأنبياء يحملون رسالات إلهية لتوجيه البشرية".
صَادَقَ التطبيق على أنها صاحبة رسالة لكنها خاصة وليست للبشرية جمعاء كرسالة الأنبياء، استجد في ذهني سؤال آخر ولجأت للتطبيق ذاته فأمرته أن يكتب لي إجابة عن السؤال، لماذا يفكر الابن أنّ أمه لا تمرض؟
فأجاب التطبيق بكل سهوله "الابن يفكّر أنّ أمه لا تمرض لأنه يرى فيها شخصا قويا، وعندما يكبر الطفل قد يظنّ أن الأم تملك القوة والقدرة على مواجهة كل شيء، قد يكون لديه اعتقاد طفولي بأن الأم هي الشخص المثالي الذي لا تصيبه المشكلات أو الأمراض"
إجابة التطبيق هذه بأن الطفل قد يكون لديه اعتقاد طفولي بأنَّ أمه هي الشخص "المثالي" الذي لا تصيبه المشكلات أو الأمراض أيقظ فيني سؤالا آخر وهو: هل تعتبر الأم بالنسبة للطفل مدينته الأفلاطونية التي عجز أفلاطون أن يحققها، هل استطاعت الأم تحقيقها لأبنائها في محيط البيت الأسري؟
فأمرت التطبيق بالإجابة وهي كالآتي: "الأم ليست دائمًا مدينة الطفل الأفلاطونية، ولكن يمكن أن تكون نموذجًا للحبّ والرعاية والتوجيه وفقًا لفلسفة أفلاطون، كانت مدينة الطفل تعتبر البيئة التي تهيئ الفرد للأفضل ليتطور فيها بشكل كامل ويحقق أقصى إمكاناته، ويحقق المُثُل ويعتبر بعض الناس أن الأم هي المكان الذي يجد فيه الطفل الحبّ والدعم اللازمين لنموه وتطوره".
وبناءً على هذه الأجوبة وصلت إلى معرفة أمّي التي لم أكن أعرفها حق المعرفة، فأدركت أن الحياة جعلت منها مدينتين، مدينة القيم والمُثُل التي أسكنتني فيها وتقوم فيها بتبلغ الرسالة، والمدينة التوليدية التي تتولى فيها توليد الطّاقة بكافة أنواعها؛ حتى صرتُ لأ أشعر بما يؤرقها ولا أرى منها إلا ما يسعدني؛ فتوهمتُ أنها لا تمرض ولا تواجهها مشكلات ولا حتى تجزع.
لا أعلم يا صديقتي إن كنتِ ستجدين في مقالي هذا إجابة لسؤالك؛ لكنّي أشكرك لأنك جعلتني أنتبه للمدينتين في شخص أمّي.