محمد رامس الرواس
التصوير الرباني البديع في الآية "أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (التوبة: 109)، يُشيرُ إلى أن كل بناء تم تأسيسه على باطل سيُبطله الله عندما يصاحب هذا البناء نية فساد في الأرض، وهذا البنيان؛ سواءً كان تعميرَ بناءٍ أو إقامة كيان دولة أو غيره، هو على شفا طرف حَفِيرة سينهار بمن فيه إلى هاوية سحيقة، وهذا أمر حتمي ووعد رباني مقرون بدلالات وبراهين وشواهد يسوقها المولى عز وجل في القرآن الكريم، ونتصفحها بكتب التاريخ قديمًا وحديثاً.
والكيان الإسرائيلي جرّاء ممارسته أبشع الجرائم الإنسانية بغزة، يتعرض حاليًا لما يُشبه الانهيار والعزلة الدولية والمقت من المجتمع الدولي، ولم يعد يقف مع إسرائيل اليوم سوى الولايات المتحدة حليفتها التي تحاول أن تنقذها من الانهيار والانجراف نحو جرف يتناثر تحت أقدامهما معًا من خلال تبني إسرائيل سياسة متهورة، وما يصاحب ذلك من اختلاف وشتات قلوب أعضاء مجلس الحرب و الشارع الإسرائيلي.
إنَّ الولايات المتحدة التي تساند دولة الاحتلال أصبحت اليوم خائفة ومترددة؛ فتقارير الساسة والعقلاء والخبراء الدوليين تقول إنَّ هناك أزمات عميقة في الجيش وتفكك في المجتمع الإسرائيلي، وبرغم إرسالها الأسلحة إلى إسرائيل تشعر أمريكا أنها قد تنجرف مع إسرائيل إلى نفس المصير. وما نشاهده الآن في المظاهرات والاحتجاجات التي تجتاح العالم شرقًا وغربًا، وطالت إسرائيل نفسها، وتطالب دولة الاحتلال بالتوقف عما تفعله، بينما مجلس الحرب الإسرائيلي يصر على الاستمرار متحديًا الجميع إنما هو مقدمة لانهيار قادم لإسرائيل ومن ثم زوالها.
إنَّ المقاطعة الشعبية لمنتجات الدول الداعمة لإسرائيل، وصدور التقارير الأممية والقرارات الدولية التي تدين الكيان الإسرائيلي وتفضح نواياه المُبيَّتة لتدمير حياة الفلسطينيين من خلال هذه الحرب الوحشية، يُقابلها بداية انهيار بدولة الكيان وإن كان ببطء، فليست البنية التحتية لغزة هي التي انهارت جراء القصف؛ فالشعب الفلسطيني والمقاومة متماسكون ومتحدون وموكلون ومفوضون أمرهم لله، إنما كيان دولة إسرائيل هو الذي سينهار؛ فالطوفان قد بدأ بالفعل وبرغم كل الخسائر الفلسطينية، إلّا أن هناك جرفًا سيتناثر تحت أقدام دولة الكيان الإسرائيلي ويدفع بها نحو الهاوية قريبًا بإذن الله تعالى.
قد يسأل سائل: ما جدوى مثل هذه التقارير الأممية مثل تقرير فرانشيسكا ألبانيز بعنوان: "تفصيل الإبادة الجماعية" والتي اختتمته قائلة "ربما يكون أفضل وصف يمكنني تقديمه هو أن ما ينكشف تحت أعيننا هو كارثة سياسية وإنسانية ذات أبعاد أسطورية، وأعتقد أن هذا هو الوصف الوحيد الذي يصور إلى حدٍ ما الأحداث على الأرض"، وغير ذلك من مشاريع أممية لوقف إطلاق النار بغزة، وقرارات محكمة الجنايات الدولية التي تدين إسرائيل، والتصويت لوقف الحرب، والمظاهرات التي تجتاح مدن دول العالم شرقًا وغربًا، إضافة إلى استقالات المعارضين التي تحصل بالحكومة الأمريكية وآخرها استقالة أنيل شيلاين اعتراضًا على سياسة بلادها تجاه الفلسطينيين، وغيرها من الأمور، وإن كانت بسيطة مثل المعاملة السلبية غير المسبوقة التي يتلقاها حاملو الجوازات الإسرائيلية بالمطارات الدولية.
ما فائدة كل ذلك إن لم تحصل هناك نتيجة آنية؟!
لا شك أن كل ذلك وغيره يُشكل مُسببات ومواقف إنسانية وتبعات قانونية دولية تودي إلى عزلة دولية للكيان الإسرائيلي البغيض، ومن ثم نبذها وانهيارها وزوالها مع الوقت، وهذا ما يحصل الآن بالفعل، وإن كان ببطء، فقد تخلت العديد من الدول الغربية عن دعمها لإسرائيل، مقارنة بما كانت تقوم به في بداية الحرب على غزة، ولم يعد كيان الاحتلال الإسرائيلي يتمتع بالمواقف الدولية المساندة له من دول الغرب، أما دول أمريكا اللاتينية وعلى رأسها البرازيل؛ فموقفها واضح منذ البداية من خلال إدانتها لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، بينما الشرق الأقصى الصين واليابان وروسيا وغيرهم أصبحوا مقتنعين تمامًا بأن ما يجري في غزة يتجاوز المعقول ويجب وقف إسرائيل والتصدي لها.