مدرين المكتومية
مقاومة المُحتل في كل العصور والأزمنة تعتمد على عدة عناصر أساسية، في مقدمتها المقاومة المادية بالمال والعتاد لدحر المعتدي الغاصب، والمقاومة بالمقاطعة، والمقاومة بالضغط الشعبي والرأي العام، لكن نوعًا مميزًا من المقاومة قد لا ينتبه له الكثيرون، إنها المقاومة بالفن؛ حيث يُكرس الفنان موهبته الفنية لشحذ الهمم وخلق أجواء معنوية إيجابية تدعم المقاومين.
ولقد كان لي شرف حضور واحدة من الأمسيات الرمضانية الاستثنائية التي تنظمها جريدة الرؤية، من منطلق نهج "إعلام المبادرات"، وهي ندوة "الأقصى لنا" التي استمعت خلالها إلى "عازي غزة" لمؤلفها الدكتور ناصر الطائي، وأدهشني بشدة هذا التوظيف المتجدد للموروث العماني في خدمة قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين، في ظل ما يشهده قطاع غزة من عدوان همجي سافر وبربري تسبب في جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على يد المُحتل الغاصب الإسرائيلي.
جاء العازي معبرًا عن المشاعر العمانية وعكس جوهر الموروث العماني ليشكل صوتًا أصيلًا بما يحمله من موقف ثابت نحو القضية الفلسطينية، زاخرًا بكلمات تُعبِّر عن الموقف الرسمي والشعبي من القضية، ومنها:
عُمان الكرامة والشيم
أفعالها منذ القدم
أمثال نارٍ في علم
ما تهاب من بطش الخصم
غزة معك حن كل حين
السلطان والشعب أجمعين
ندعي إله العالمين
يحفظ النصر للمؤمنين
دَعوة عَلت فوق السماء
ترد كيد شر البلاء
ربي يحفظ غزة الإباء
من دنس صهيون الوباء
إن الفن دائمًا رسالة محبة وسلام، قادرة على إيصال الصورة الحقيقية للعالم، وهي الطريقة الصادقة للتعبير عن الجرح العميق الذي يعيشه أي مجتمع أو أي فرد تجاه أي موقف وأي قضية، وهذا هو الحال بالنسبة لسلطنة عُمان وموقفها نحو الأشقاء في غزة وفلسطين عامة، الشعب الذي يعيش مأساة لا يمكن تصورها، ولا يمكن تخيل كيف لهم أن يكونوا بعد ذلك قادرين على الاستمرار تحت كل هذه الظروف القاهرة.
من هنا وجدنا أنفسنا نُعبِّر لهم عن تضامننا الحقيقي تجاه هذه المأساة عبر مواقف وطنية صادقة وخالصة، ووظفنا الفن لخدمة قضية فلسطين، فلا أصدق من الفن للتعبير عنها، لأنه ينبع من أعماق النفوس ويعكس حجم الوعي الجمعي للمجتمعات وفنانيها.
"عازي غزة"، لم يكن مجرد فن يقدمه العُمانيون لإخوانهم الفلسطينيين، تضامنًا مع قضيتهم العادلة، وإنما رسالة صادقة نحو السلام الذي نأمل أن يحل ويعُم في أرجاء المنطقة والعالم، فالإنسان خُلق لعمارة الأرض وليس لهدمها عبر الحروب والصراعات.
وأخيرًا.. الفن رسالة سامية، والفنون العُمانية المُغناة كانت وما تزال واحدة من أدوات القوى الناعمة لسلطنة عُمان، تُفاخر بها بين الدول، ولقد نجح الدكتور الموسيقار ناصر الطائي في ترجمة المشاعر العُمانية وبلورتها في صورة فن العازي، ليقدِّم للجميع أنموذجًا فريدًا من الإبداع الممزوج بالوعي بقضايا الأمة.